منذ دخول المجلس النيابي حيّز عمله الفعلي، ظهر عدد من النواب السنّة في مظهر حماة النظام. حافظوا على عادات النادي السياسي التقليدي، ولم يحيدوا عن قواعد اللعبة المتّبعة منذ ما بعد الطائف. هؤلاء، الذين حصلوا على مقاعد تيار «المستقبل»، وربما بأصوات جمهور «المستقبل» نفسه، صوّروا أنفسهم منذ الجلسة الأولى أنّهم ورقة رابحة يمكن للنظام الرهان عليها. لم يتمرّدوا على انتخاب الرئيس بري، ولم يواجهوا أحدًا من الأحزاب مواجهةً كلامية وسياسية داخل المجلس، تقاسموا حصص اللجان ومقاعدها، ومشوا باللعبة.
إبّان الحديث عن تشكيل حكومة جديدة لم تصل مساعيها إلى النجاح، خرج النائب وليد البعريني ليقول إنّ كتلة نواب عكار لن تمنح الحكومة الثقة إلّا في حال اعطائها وزيرًا. كتلة البعريني، والتي تخرج من رحم «المستقبل» وتشكّل مع نواب آخرين الحالة السنّية القريبة من جو سعد الحريري في المجلس، راهنت في موقفها على التحاصص الطائفي والمناطقي، وهو ما أكّد في حينها أنّهم في قلب اللعبة.
وبعيدًا من مسألة التحاصص، يبدو أنّ هؤلاء يؤدّون دورًا أذكى وأبعد وأعمق من زملائهم التغييريين، الذين لم يحسنوا تأمين دور يلعبوه، أو لم يطرحوا ما يمكن أن يحوّل رقمهم إلى مادة حسابية داخل المجلس.
وفي خضم أزمة الفراغ الرئاسي، وبعد تصعيد الوزير جبران باسيل وإحراجه لـ»حزب الله» بعدم تبنّيه فرنجية، وقطع الطريق على أي ضغطٍ أو مسعى قد يُمارس في هذا الإطار، يطلّ «ورثة مقاعد المستقبل» برأسهم، على أنّهم هم مَن سينقذ الموقف. ومن دون أن يجاهر أي منهم، يوصل هؤلاء رسالة لطبّاخي اللعبة أنّهم جاهزون ليلعبوا دور الحسم، ولو كان هذا الأمر لا ينطبق عليهم لا عدديًا ولا ميثاقيًا.
أكثر من 10 أصوات قد تكون جاهزة لتُمنح لصالح رئيس حزب «المردة» سليمان فرنجية، في حال تبنّي ترشيحه فعليًا من الثنائي، وفي حال سارت كتلة «اللقاء الديمقراطي» في الأمر نفسه. فانطلاقًا من قاعدةٍ وضعوها بعدم جواز وقوفهم في صف معارضة النظام، ينطلق هؤلاء بمقاربتهم لموقفهم الرئاسي. بعضهم اليوم يعطي ميشال معوض، والبعض الآخر يذهب نحو تسجيل الموقف خلال الجلسات، ولكن هم أيضًا، مع السلطويين، يحسنون لعبة تمرير الوقت لا أكثر.
يُحسن هؤلاء إحداث توازن بين إرضاء شارعهم المستقبلي ومرجعيتهم السياسية ، سابقًا ربّما، وبين إرضائهم الجانب السعودي. يُدركون جيدًا أنّ المجاهرة بتنسيقهم مع الرئيس سعد الحريري لها ضريبة ثقيلة عليهم، في وقت يعلمون أنّ رميهم لكل أوراقهم في سلّة من لا يرى بلبنان أولوية اليوم هو رهان خاسر أيضًا. وعليه، يقفون إلى جانب النظام بانتظار عودة الحريري أو عودة النفوذ السعودي، كما كان قبل العام 2005.
وعليه، لا يزال للرئيس سعد الحريري صوتٌ في المجلس، ولو غاب أو انكفأ. فوصول الوزير سليمان فرنجية لقصر بعبدا لا بدّ له، بعد نضوج التسوية بخصوصه، من سلوك طريق «بيت الوسط»، ولو كان هذا البيت مهجورًا.