بعد سنوات طويلة من الإنتظار، وضع مشروع قانون استعادة الجنسية على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب، نتيجة الضغوط التي مارستها القوى المسيحية، لا سيما التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، عبر ربط الموافقة على تشريع الضرورة، الذي بات حاجة ملحة في المرحلة الراهنة، بادراج هذا المشروع على جدول أعمال الجلسة التشريعية، بالإضافة إلى ذلك الخاص بقانون الإنتخاب.
بالنسبة إلى القوى المسيحية التي عملت مطولاً على هذا المشروع، ما تحقق هو بمنزلة «الإنجاز»، لكن العبرة تبقى دائماً في الصورة النهائية، أي بالنجاح في إقراره في الجلسة التشريعية ليتحول إلى قانون نافذ، الأمر الذي سيكون معلقاً بموقف باقي الأفرقاء في الوطن، خصوصاً أن ليس من السهولة بمكان تمرير هكذا مشروع في بلد يقوم على التوازنات الطائفية والمذهبية الدقيقة، ما يفسر بشكل واضح الإعتراضات الإسلامية التي بدأت تظهر في الساعات الأخيرة بصورة علنية وغير علنية.
في مشروع القانون المعجل المكرر، الموقع من التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، يحق لكل شخص يتوافر فيه أحد الشرطين التاليين أن يطلب استعادة الجنسية اللبنانية: إذا كان مدرجاً هو أو أحد أصوله الذكور لأبيه أو أقاربه الذكور لأبيه حتى الدرجة الرابعة على سجلات الإحصاء التي أجريت بعد إعلان دولة لبنان الكبير، أي سجلات 1921 – 1924 مقيمين ومهاجرين وسجل 1932 مهاجرين، الموجودة لدى دوائر الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات، شرط ألا يكون المدرج إسمه على السجلات قد اختار صراحة أو ضمناً تابعية إحدى الدول التي انفصلت عن السلطنة العثمانية، وفقاً لأحكام المادة 3 من القرار 2825 تاريخ 30-8-1924، أو إذا كان مدرجاً هو أو أحد أصوله الذكور في سجلات المقيمين 1932 وفقاً لمعاهدة لوزان عام 1924، ولقانون الجنسية الصادر في 19/1/1925 والقوانين اللاحقة له، بما فيه القانون رقم 68/67 الصادر في 4/12/1967، وأغفل فيما بعد هو أو احد فروعه تسجيل وقوعاته الشخصية.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة على هذا الملف، إلى أن هذا المشروع، بدل أن يكون طابعه وطنياً، تحول إلى طائفي بامتياز، وهو بالتحديد يحمل هوية مسيحية مارونية، وتلفت إلى أن المراد منه أن يكون الرد على مرسوم التجنيس الذي صدر عام 1994، والذي أحدث خللاً بالتوازن الديموغرافي والطائفي في البلاد، لكنها تشدد على أن الأوضاع على مستوى المنطقة لن تسمح بتمرير هكذا ملف، خصوصاً أن أي قضية باتت تبحث من هذا المنظار الضيق، بغض النظر عن مشروعيتها، وبالتالي هي تدعو إلى التعامل مع هذا المشروع بواقعية تامة، وتسأل: «إذا كان التخلص من النفايات يتطلب من كل طائفة تأمين مطمر خاص بها، كيف سيكون الحال مع هكذا تحول يعيد خلق الأوراق برمتها؟»
بالنسبة إلى هذه المصادر، كل الشعارات عن التمسك بـ«المناصفة» و«وقف العد» ليست ذات قيمة فعلية، فهي عملياً لا تطبق على أرض الواقع، وتلفت إلى أن القوى المسيحية لم تستطع أن تؤمن أغلبية نيابية قادرة على إقرار مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي الإنتخابي في مجلس النواب، بل على العكس من ذلك ظهرت الخلافات فيما بينها في نهاية المطاف نتيجة ضغوط الحلفاء، ليسقط قبل أن يتم طرحه على التصويت، وتوضح أن الإعتراض الأساس سيكون من القوى الفاعلة داخل الطائفة السنية، التي تعتبر أن هذا المشروع يؤثر في نفوذها داخل الدولة، نظراً إلى أنها بدأت تروج إلى أن الطوائف المسيحية، بالإضافة إلى الشيعة، سيكونون هم المستفيدين منه بالدرجة الأولى، في حين أن السنة لن يكون لهم أي مصلحة في تبديل المشهد الحالي، خصوصاً أن المشروع الحالي لا يلحظ المتحدرين من المناطق اللبنانية الذين كانوا أيام حكم السلطنة العثمانية منتشرين في مناطق أخرى.
وتوضح المصادر نفسها أن أصول هذه المشكلة تعود إلى أوساط القرن التاسع عشر، وثم إلى الإعلان عن استقلال لبنان في العام 1920، بالإضافة ما كرسته معاهدة لوزان، المتعلقة بتجزئة السلطنة العثمانية، في العام 1923، التي صيغت بموجبها قواعد جنسية الأشخاص الذين انسلخت أراضيهم عن السلطنة، ثم القرارات التي صدرت بموجبها، خصوصاً إحصاء 31/1/1932، الذي يستند إلى القرار الذي حدد تاريخ نشوء الجنسية اللبنانية، والذي ينص على: «كل من كان من التبعة التركية مقيماً في أراضي لبنان الكبير في تاريخ 30 آب سنة 1924 اثبت حكماً في التابعية اللبنانية وعد من الآن فصاعداً فاقدا التابعية التركية».
على صعيد متصل، تعترف مصادر نيابية مسيحية، عبر «الديار»، بالأزمة القائمة، وتشير إلى أن موضوع الجنسية كان محل جدل واسع خلال السنوات الماضية، من دون النجاح في تحقيق أي تفاهم عليه بين الأفرقاء كافة في الوطن، وترى أن ما تحقق بين «القوات» و«الوطني الحر» مهم جداً، لكن لا أحد يضمن النجاح في المرحلة الثانية من البحث، أي النقاش في الجلسة التشريعية والإقرار، وتعرب عن رفضها إعطاء هذا المشروع صبغة مذهبية، نظراً إلى أنه يعمل على معالجة مشكلة وطنية موجودة في البلاد منذ عشرات السنوات.
وفي حين تذكر بأن المغتربين اللبنانيين لم يتحمسوا في السابق للمشاركة في العملية الإنتخابية، عبر التسجيل في السفارات، تعود هذه المصادر إلى حقيقة مفادها أن المقيمين منهم يبحثون عن أي وسيلة تقودهم إلى بلدان أخرى بسبب الأوضاع التي يمرون فيها، وتعترف بأن فرص إقرار المشروع الحالي ضئيلة جداً، بسبب الإختلاف في وجهات النظر بين الأفرقاء كافة، لكنها تعرب عن مخاوفها من التداعيات التي قد تقع نتيجة ذلك.