شهدت دار الفتوى في الأسبوعين الماضيين نقاشاً حول خلق «جهة تمثيلية» للطائفة السّنية، لا تدور في فلك ما يُعرف بقوى «8 آذار»، للجلوس على طاولة الحوار متى عُقِدَت ولقاء موفدين من الخارج متى قدموا. وبحسب المعلومات، تمّت مفاتحة مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان بالأمر، وكان أمل الطامحين معقوداً على أن يدعو المفتي إلى لقاءٍ موسّع للنواب السّنة غداً. إلا أن العاملين على هذه «الفكرة» فوجئوا أمس بدعوة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري هؤلاء النواب إلى مأدبة عشاء غداً في منزله في اليرزة، في حركةٍ يُفهم منها تجنّب دريان للإحراج مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، في حال تصدّى لفكرة ملء ما خلّفه غياب الحريري من فراغٍ زعاماتي في الساحة السياسية السنية.
بوضوحٍ تام، يقول أحد النواب: «نريد تشكيل تيار مستقبل جديد بحلةٍ جديدة»، في استعادة لواقع التمثيل السّني سابقاً حين كان يعبّر عنه التيار الأزرق. هاجس وراثة المستقبل ولعب دوره لا يزال قائماً، ما يؤكّد مرة جديدة فشل مشروع إسقاط زعامة الحريري الحاضر رغم الغياب.
وبعيداً عن الرغبات الشخصية في القيادة، لا شكّ في أنّ أصحاب هذا التوجّه «استحقّوا» أهمية تشكيل كتلة نيابية وازنة بعد الإعلان عن إنشاء تكتل «التوافق الوطني» برئاسة النائب فيصل كرامي، الواضح في خياراته السياسية القريبة من حزب الله وحلفائه، مع المحافظة على علاقة جيّدة مع السعودية. يأتي هذا الطرح، في ظلّ وجود 3 نواب سنّة من أصل 27 نائباً محسوبين على الثنائي أمل وحزب الله، ويتوزّع الـ24 الباقون بين كتلتين كبيرتين هما «التوافق الوطني» و«الاعتدال الوطني» ونواب مستقلين، وأربعة نواب «تغييريين». وبوضوح أكثر ينقسم هؤلاء بين: 10 نوابٍ يؤيدون «8 آذار» و10 نوابٍ وسطيين و6 محسوبين تماماً على السعودية يطلقون على أنفسهم تسمية «سياديين»، وواحد في تكتل «لبنان القوي».
وكان رهان طارحي فكرة الكتلة الوازنة على جمع أكبر عدد من النواب الوسطيين مع نواب «الاعتدال الوطني» لأجل خلق «حيثية سنّية تشكّل حاضنة لقيادة سياسية جماعية للطائفة، وأن تكون للكتلة أمانة سرٍّ، وما إلى هنالك من متطلّبات تنظيمية وهيكلية، وأن يُتّفق على هوية سياسية واضحة لها، وتحظى بدعم دار الفتوى». علماً أنه ليس مؤكداً احتمال انتقال عدد كبير من النواب من الوسط إلى ضفّة ضد أخرى بسبب الظروف الخاصة بكل منهم. فعلى سبيل المثال، تستفزّ النائب عبد الرحمن البزري عبارة «حاضنة للسنة»، معتبراً أن «السنة يحضنون الوطن»، وما التعدّدية السياسية وتوزّع نوابهم ضمن خيارات مختلفة إلا «مثالٌ يجب أن يُحتذى به لدى بقية النواب الممثّلين للمكوّنات الأخرى».
الطامحون إلى تشكيل «الكتلة السنية» أصيبوا بخيبة أمل أمس بعدما وصلت دعوات من البخاري إلى النواب السُّنة، ما عدا المحسوبين على كتلة «الوفاء للمقاومة»، لحضور مأدبة عشاء على شرف المفتي. «لا ضرر» من اللقاء، فالكل في النهاية ينظر إلى السعودية كمرجعية، لكنّ المعوّلين على دور دار الفتوى اعتبروا أنّ «اللقاء فقد نكهته السياسية وتحوّل إلى بروتوكولي، يثبّت موقع السعودية بالدرجة الأولى أكثر مما يخدم الواقع السني في البلد. وذلك، بعد دخول الجانب القطري بجدّية على الملف الرئاسي». وهؤلاء المتحمّسون، وفق المعلومات، سيستمرون في التواصل حتى الساعات الأخيرة قبل اللقاء مع دار الفتوى للاتفاق على طرحِ الفكرة بصيغةٍ أو بأخرى. مع العلم أنّ لدريان حساباته الخاصة، منها ما هو مرتبط بعلاقته مع الحريري نفسه، ومنها تجنّبه الإقدام على هكذا خطوة إلا بمباركة سعودية.
وثمّة من يرى أنّ السعودية تريد القول بأنّها صاحبة «المونة» على النواب السّنة وعرّابتهم وحاضنتهم، إن كانوا من سنّة 8 أو 14 آذار، بدلالة علاقتها الجيدة بالنواب المحسوبين على 8 آذار، من فيصل كرامي إلى حسن مراد، و«الأحباش»، وهو «ما فشل سعد الحريري في تحقيقه طيلة السنوات الماضية». وتستبعد مصادر هؤلاء أن تكون لدى السعودية نوايا خلق تكتّل مواجه، و«إلا لما كنا دُعينا إلى اللقاء».