تجتاز الساحة السنّية مرحلة في غاية الدقّة، بحيث تمرّ في ظروف إستثنائية لم يسبق لها أن شهدتها، إذ ثمة ضعضعة وإرباك قبيل الإستحقاق الإنتخابي، نظراً لعزوف سائر الرؤساء والمرجعيات السياسية السنّية عن المشاركة في الإستحقاق الإنتخابي المقبل، بعدما علّق الرئيس سعد الحريري مسيرته السياسية، إلى القرار الذي اتخذه بمقاطعة «تيار المستقبل» للإنتخابات النيابية المقبلة. وعلى هذه الخلفية، لوحظ في الساعات الماضية، أن معظم نواب «التيار الأزرق» أعلنوا عن عزوفهم في الترشيح للإستحقاق الإنتخابي، ويُنقل وفق المعلومات المؤكدة، بأن كلاً من النائبة بهية الحريري ونجلها الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري، أبلغا بعد عودتهما إلى بيروت إثر لقائهما الحريري في الإمارات نواب «المستقبل» وقيادات أخرى، بأن أي نائب سيخرج عن قرار الحريري، هو حتماً غير مُرحّب به لا اليوم ولا غداً في «التيار» أو في الإستحقاقات القادمة، لا بل نُقل أيضاً، أنه، في حال جرى التمديد للمجلس النيابي الحالي، فعندئذٍ وتلقائياً، ستكون هناك استقالة جماعية لكتلة «المستقبل» النيابية.
وفي هذا الإطار، ثمة تساؤلات حول مَن سيقود الساحة السنّية سياسياً وانتخابياً، بعدما بات الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة في الواجهة؟ إضافة إلى مَن سيدخل إلى مناطق نفوذ «الحريرية السياسية»؟ وماذا بعد مقاطعة الحريري؟
هنا يُنقل، بحسب معلومات مواكبة، بأن تشاوراً يجري على أعلى المستويات بين «نادي رؤساء الحكومات السابقين»، وبعيداً عن الأضواء، أضف إلى تشاور بشكل دائم مع مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، والذي ومن خلال من يلتقيه، تظهر عليه علامات الإستياء لما آلت إليه الأوضاع السياسية والإنتخابية بعد قرار الحريري، وبالتالي فهو حائر، ولا يريد أن يُقحم هذه المرجعية الأساسية والروحية لأهل السنّة بأي صراعات أو خلافات داخلية، بمعنى أنه بمنأى عن كل ما يحصل، وعلى مسافة واحدة من كل القوى والأطراف والمكوّنات السياسية والحزبية لهذه الطائفة، وفي المقابل، أنه مع المشاركة في هذا الإستحقاق الديموقراطي والمصيري، وأنه لا يستسيغ مقاطعة الإنتخابات مهما كانت الإعتبارات والمواقف، والجميع بات في صورة موقفه الواضح، والذي كان قد أبلغه للحريري ولسائر الرؤساء والمعنيين في الطائفة السنّية.
توازياً، تشير مصادر مواكبة لهذا المسار، بأن هناك واقعاً سياسياً مغايراً عما كانت عليه الأوضاع السابقة، بدأ يفرض نفسه على الساحة السنّية، وقد تكون نتائج الإنتخابات النيابية القادمة، منطلقاً أساسياً نحو مرحلة جديدة في السياسة، إذ ستشهد اللوحة السياسية تغييرات دراماتيكية، على الرغم من أن الحريري، ووفق خصومه وليس حلفائه فحسب، كان يمثّل الأكثرية السنّية، ولكن الخروج من السلطة، سيضفي صورة مغايرةعلى مشهد الإنتخابات النيابية المقبلة، لا سيما في العاصمة بيروت إلى صيدا وإقليم الخروب، وكذلك في البقاع الغربي وتحديداً في الشمال، فالأمور ستتبدّل، وسينسحب ذلك على الواقع الحكومي، باعتبار أنه، وبعد الإنتخابات النيابية، لن يكون الرئيس العتيد الذي سيكلّف بتشكيل حكومة من فريق «الحريرية السياسية»، أو من يسمّيه ويزكّيه زعيم «تيار المستقبل»، بحيث ستصل شخصية من خارج هذا الإطار، مما سيكون له وقعه أيضاً على إدارات الدولة برمّتها بفعل التعيينات الإدارية، وفي كل مراكز الدولة، وحتى على صعيد المؤسّسات الأمنية، وعلى وجه الخصوص موقع المدير العام لقوى الأمن الداخلي.
من هنا، يبقى أن ما يحصل اليوم سنّياً، سيعيد خلط الأوراق، إنما ثمة ترقّب لليومين المقبلين لما سيقدم عليه الرئيس فؤاد السنيورة، أكان ترشيحاً أو عزوفاً، ليبنى على الشيء مقتضاه في ظل الواقع الحالي الذي تشهده وتمرّ به الطائفة السنّية، بشكل غير مسبوق على الإطلاق.