الشارع يسبق قياداته وكرامي أتى متأخراً
انفجر الشارع السني احتفاءً بالسقوط المدوي لطاغية دمشق، فيما ران الصمت على القيادات والنخب
تعيش المنطقة أياماً تاريخية وتحولات مذهلة، بينما يبدو الموقف السني العام مثيراً للدهشة والقلق في آن. وعندما انفجر الشارع احتفاء بالسقوط المدوي لطاغية دمشق، ران الصمت على القيادات والنخب. والحال نفسه ينسحب على مجمل تداعيات “السابع من أكتوبر”، حيث لا وجود لموقف سني واضح يمكن البناء عليه خارج إطار التأييد الكلاسيكي للقضية الفلسطينية.
فلا هم مع “طوفان السنوار” ولا ضده، وموقفهم من “حزب الله” في إسناده وانكساره كان مائعاً ومتذبذباً. وهذا ما جعل تهور “الجماعة الإسلامية” وانسياقها خلف “محور الممانعة”، يتخذ أبعاداً أكثر خطورة، ما شجع “الحزب” على المضي في محاولات اختراقه، لكنه اصطدم بإرثه المُثْقل بدماء الأبرياء وخطاب الكراهية.
في الأدبيات السياسية وأعرافها الراسخة، من الخطورة بمكان أن يسبق الشارع قياداته. والحال أنه ثمة فجوة كبيرة بين الشارع السني ومَن يُفتَرَض بهم التعبير عنه وترجمته سياسياً، خصوصاً عندما نعلم أن أكثر من نصف النواب يميلون للاقتراع لسليمان فرنجية في جلسة 9 كانون الثاني. الأمر الذي يظهر بأن غالبية القيادات والنخب السنية لا تزال واقعة تحت تأثير الوصايتين، “الأسدية” و”الخمينية”، وخصوصاً عند “الرماديين” الأوسع حضوراً.
هذا التأثير هو الذي جعلهم يلوذون بـ “الاستراتيجية الدفاعية”، والتي تجاوزتها الأحداث وصارت “جثة سياسية” يجب الإسراع في دفنها، فـ “إكرام الميت دفنه”. كما أن هذا التأثير هو الحاكم في مقاربتهم السياسية، وفي نظرتهم الفردية لطبيعة العلاقة مع دول الخليج، بشكل يدفعهم لـ “بيع” خيارهم الانتخابي الرئاسي إذا ما وجدوا أنه ثمة رغبة في تأييد هذه الشخصية أو تلك. وهذا ما أدركته السعودية ودول الخليج منذ سنوات، فصار نهجها قائماً على التعامل حسب القضية، مع الانفتاح على الجميع.
في لحظة صناعة التاريخ، يكون الخاسر الأكبر من ينتظر على “ضفة النهر”، طامحاً بأن يكون شريكاً على طاولة القرار بلا جهد. ومنذ أيام قليلة، تنبه النائب فيصل كرامي إلى أن السنّة باتوا على هامش عملية إعادة تكوين السلطة، وبدأ محاولة صياغة موقف جامع يثبت حضور “الطائفة – الأمة” في لحظة مصيرية، من خلال التواصل مع باقي الشخصيات والكتل. لكنه أتى متأخراً جداً. فمنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، كَثُرَ حِراك الموفدين العرب والدوليين تجاه بيروت، وتصاعد، كمّاً ونوعاً، غداة “الطوفان”. بيد أن أحداً منهم لم يقف على رأي السنّة، لاعتباره معدوم التأثير، فيما لا تخرج زياراتهم إلى “السراي الحكومي” عن إطار احترام البروتوكول.
أحدث المؤشرات كانت زيارة الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت، وذهابه إلى “معراب” و”كليمنصو”، انطلاقاً من دورهما الحيوي وتأثيرهما، في الوقت الذي كان يخيّط وثيقة إذعان “حزب الله” بالشراكة مع رئيس البرلمان، ولم يكن السنّة أبداً على جدول اهتماماته.
في المجالس الضيقة تشيد بعض القيادات السنية بدهاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والذي مكّنه من تحميل مسؤولية اتفاق كارثي مثل هذا إلى الشيعة وحدهم، دون الاهتمام بحجم التنازلات المفجعة وتقويض مفهوم الدولة. ناهيكم عن التوازن المفقود في العلاقة مع بري واعتباره رمزاً لا يمس، لأنه يشكل مفتاح مؤسسات الدولة وخدماتها ومنافعها التي تعينهم على “نفخ” رصيدهم الانتخابي.
أسرّ مصدر دبلوماسي بـ “أن السنة لا يتوقفون في مجالسهم ولقاءاتهم عن تحميل العرب ودول الخليج، وحتى تركيا، مسؤولية ما صاروا إليه، ثم يأتون إلينا ويشتكون على بعضهم البعض، فكيف يمكن بناء حالة سياسية صحية في مناخ من هذا القبيل”؟
القراءات الخاطئة والمبتسرة للمتغيرات الدولية جعلت السنّة خارج اللعبة السياسية عقب تأسيس “لبنان الكبير”، وأدخلتهم في مطاحنة استمرت لسنوات. واليوم يعيدون استجرار اللحظة نفسها، ولا سيما أن الكثير من سمات خطابهم السياسي لا تزال مذّاك على حالها.