Site icon IMLebanon

سلاح السنّة من “المرابطون” إلى “التوحيد” و”الجماعة”

 

 

من الطبيعي أن تتعرّض العراضة المسلحة لـ»الجماعة الإسلامية» في ببنين في عكار لكل هذا الإستنكار. ومن غير الطبيعي أن يتم التعاطي مع هذه الظاهرة الجديدة وكأنّها نتيجة طبيعية، أو أنّها مسألة عادية، لأنّها تدخل في إطار الصراع مع إسرائيل. ولكن في المحصلة لم تكن هذه العراضة هي الأولى التي تكشف عن انتشار السلاح في منطقة عكار وغيرها، وهي تطرح مسألة «السلاح السنّي» في لبنان خلال الحرب وبعدها، وتستدعي السؤال عن الجهة التي تدعم وتموِّل، وعن موقف «حزب الله» الذي كان يعتبر أن هذا السلاح يدعم التنظيمات الإرهابية، خصوصاً بعد الإنخراط في الحرب السورية. ويبقى السؤال الأبرز عن استهداف دور الجيش من خلال هذا السلاح لإخراجه من المعادلة.

لم تكن مسألة ظهور السلاح في بعض مناطق عكار جديدة. في آب 2021 حصلت اشتباكات بين جماعات مسلّحة من فنيدق ومن عكار العتيقة استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة واستمرّت أياماً عدة وسقط خلالها عدد من القتلى، انتهت بتسوية. اختفى المسلّحون وبقيت الأسلحة. وعلى مدى أعوام، وبالتزامن مع الحرب في سوريا، استمرّت الإشتباكات بين منطقتي بعل محسن وباب التبانة، وانتهت أيضا بإزالة المتاريس في محاور القتال من دون إزالة السلاح.

«الجماعة» على الخط

 

شكل دخول «الجماعة الإسلامية» على خط الصراع مع إسرائيل، بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي، تحوّلاً نوعياً في ما يمكن أن نسميه «السلاح السني» في لبنان بعدما قررت «الجماعة» إعادة إحياء ما تسميه «قوات الفجر» وانخراطها في القتال. وإذا كانت «الجماعة» حرصت على نفي أن يكون هذا القتال منسّقاً مع «حزب الله»، أو تحت إمرته، فإنّ مفاعيله وانعكاساته السلبية بدأت ترتدّ على مجمل الوضع اللبناني لناحية تعميم ظاهرة التسلّح في كل المناطق، وتفلّت الوضع الأمني وتعطيل دور الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى، بحيث يؤدي كل ذلك إلى انهيار الأمن بشكل كامل ليتكامل مع الإنهيار السياسي والمالي والإقتصادي.

 

وإذا كانت المطالب مركزة منذ ما بعد «اتفاق الطائف» على نزع سلاح الميليشيات، وتحديداً سلاح «حزب الله»، خصوصاً بعد الإنسحاب الإسرائيلي وبعد القرارين 1559 و1701، فإنّ الظهور المسلح لـ»الجماعة» يكرّس الفوضى الأمنية ويفتح الساحة اللبنانية على الفوضى الشاملة. حيث يبدو أنّ هذه الظاهرة تتجه نحو التوسع على صعيد «الجماعة»، التي بدل أن تسعى إلى احتوائها تعمل على تعميمها. وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن مصدر القرار وعن مصدر التغطية والتمويل، وعن قدرة «الجماعة» على تحمّل أعباء هذا الخيار، وعمّا إذا كان لبنان، أو ما تبقّى منه، قادراً على احتمال هذا العبء؟ وعن إمكانية أن يؤدي كل ذلك إلى انفجاره، خصوصاً ان كل ذلك يؤدي حكماً إلى تعطيل دور الجيش الذي كان لا يزال مؤسسة المؤسسات والضامن للوحدة الوطنية وللأمن.

 

من يحتمل سلاح الفوضى؟

 

منذ أعلنت حركة «حماس»، في 4 كانون الأول الماضي، عن تأسيس ما سمّته «طلائع طوفان الأقصى» في لبنان، ودعت الشّباب الفلسطيني إلى الالتحاق بها، بدا وكأنّ الساحة اللبنانية ستكون مفتوحة على تطورات كبيرة. صحيح أنّ «حماس» بعد ردات الفعل اللبنانية الكثيرة الرافضة لهذا القرار، عادت وأوضحت أنّ «البرنامج لا يرتبط بتوجهات استراتيجية لها علاقة بالرجوع إلى الوراء نحو التجربة الفلسطينية السابقة، كما يمكن أن يتوهّم البعض»، وأكدت «احترام سيادة لبنان، والالتزام بقوانينه، والحرص على أمنه واستقراره، وعدم التدخّل بشؤونهم الداخلية»، ولكنّها في الممارسة مضت في هذا الخيار وراحت تستخدم الساحة اللبنانية وتطلق الصواريخ من الجنوب. وضمن هذا السياق التصاعدي كانت مشاركة «الجماعة الإسلامية» في هذه الحرب.

 

في 10 آذار أعلنت «قوات الفجر» الجناح العسكري لـ»الجماعة الإسلامية» في لبنان، مقتل 3 مقاتلين هم محمد رياض محيي الدين من بيروت، وحسين هلال درويش من بلدة شحيم، ومحمد جمال إبراهيم من بلدة الهبارية، جراء غارة إسرائيلية استهدفت سيارة كانوا يستقلونها في بلدة الهبارية في القطاع الشرقي جنوب لبنان. وخلال تشييع محيي الدين في الطريق الجديدة في بيروت، بعد يومين، أثار الظهور المسلّح الكثير من المخاوف من العودة إلى زمن الفوضى، خصوصاً في ظلّ عجز الدولة عن التصدّي لهذه الظاهرة. وإذا كانت الجماعة قلّلت من خطورة الظهور العسكري وقالت إنّه عفوي ولم تدعُ إليه ووعدت بعدم تكراره، إلا أن ما حصل في ببنين أظهر أن التوجّه هو عكس ذلك.

 

في 26 نيسان أعلن الجيش الإسرائيلي اغتيال مصعب خلف «المسؤول في الجماعة الاسلامية في لبنان والذي عمل لتفعيل أنشطة عديدة ضد اسرائيل»، في غارة استهدفت سيارة كان يستقلّها في ميدون في البقاع الغربي، مع قريبه بلال خلف الذي قتل معه. وأعلنت إسرائيل أنّ خلف يتعاون مع «حماس» في لبنان وأنّ «تصفيته تهدف إلى ضرب قدرات التنظيم على تنفيذ اعتداءات ارهابية خطّط لها في الآونة الأخيرة ضد دولة اسرائيل على الحدود الشمالية».

تشجيع من «الحزب»

 

دخلت «الجماعة» على خط العمليات بموافقة وتشجيع من «حزب الله» الذي يسيطر على قرار الحرب في الجنوب ولا يمكن لأي تنظيم آخر أن ينفّذ عمليات بصورة مستقلّة عنه. ولكنّ دخول «الجماعة» على هذا الخط كان عبر «حماس» وبالتنسيق معها، وهي التي تمدّها بالمال وتولّت تدريب عناصرها في لبنان. وبالتالي تمرّ علاقة «الجماعة» بالحزب عبر علاقته بـ»حماس». هذه العلاقة على المستويين شهدت تطورين بارزين ربطاً بهذه التطورات وهما تشكيل قيادة جديدة لـ»حماس» قلبت العلاقة مع «حزب الله» من المواجهة والقطيعة خلال الحرب في سوريا إلى التعاون، وتشكيل قيادة جديدة لـ»الجماعة» عكست هذا التقارب. ولكن هل يستطيع «حزب الله» ضمان أن تسليح «الجماعة الإسلامية» يمكن أن يبقى تحت الضبط؟ وهل يمكنه أن يأمَنَ لهذا السلاح؟ وهل تستطيع الساحة السنية في لبنان أن تحتمل هذا السلاح؟ وهل الوجه الجديد الذي تطلّ به الجماعة يشبه السنّة في لبنان؟

 

والقيادات السنّية

 

منذ اندلاع الحرب في لبنان لم تكن سوريا راضية عن السلاح السنّي. هذا السلاح عاش في الحرب تحت راية تنظيم «المرابطون» وكان تابعاً عملياً لسلطة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة «فتح». ولذلك سارع النظام السوري إلى القضاء على هذا التنظيم بواسطة حركة «أمل» في أيار 1985 بعد محاولة أولى جرت عام 1984، وانتهت العملية بسقوطه عسكرياً وسياسياً، وبخروج قائده ابراهيم قليلات من لبنان حيث لا يزال يعيش في الخارج من دون أي تصدٍّ للعمل السياسي. وقد توزّع التنظيم على عدة تنظيمات محلية لم تستطع استعادة ما كان يمثّله على الأرض.

 

التجربة الثانية المسلحة التي عرفتها الطائفة السنية كانت مع «حركة التوحيد الإسلامي» التي سيطرت على طرابلس والشمال أيضاً بدعم من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 1982، وسهّلت عودته إلى طرابلس بعد خروجه من بيروت. ولكن هذه التجربة انتهت أيضاً بكارثة على طرابلس عندما شنّ عليها النظام السوري حربين، أخرجت الأولى عرفات منها عن طريق البحر خريف عام 1983، ثم قضت الثانية على الحركة عام 1985.

 

هذا الغياب العسكري لدى الطائفة السنية حاول الرئيس رفيق الحريري أن يعوّضه منذ توليه عام 1982 تنظيف بيروت من الدمار بعد الإجتياح الإسرائيلي، ثم بعد دخوله إلى الحكم منذ عام 1992. ولكن النظام السوري و»حزب الله» لم يحتملا ثقله السياسي والإقتصادي وتأثيره على القرار حتى داخل سوريا، فتم اغتياله في 14 شباط 2005. هذا الإغتيال جاء كتتمة لاغتيال المفتي حسن خالد في 16 أيار 1989، وتتويجاً لمنع السنة في لبنان من أن يكون لهم مركز قوة وعوامل تأثير. وهذا ما ترجمه الحزب في غزوة 7 أيار 2008 على بيروت للقضاء على الرئيس سعد الحريري و»تيار المستقبل». اعتبر «الحزب» وقتها أن «المستقبل» يحاول أن يكون له ميليشيا مسلحة، وأنّه استقدم مسلحين من عكار إلى بيروت تحت غطاء شركات حماية أمنية، ووزّعهم على مراكز داخل العاصمة. ولكن التجربة أظهرت أن الحزب سيطر على بيروت من دون عناء، وأنّ الحديث عن التسليح لم يكن إلا حجّة للقيام بالعملية العسكرية للقضاء على أي محاولة لتكوين نفوذ سياسي سنّي مناهض له. فهل صار اليوم يحب السلاح السني؟

 

لم يعد سلاح فتنة؟

 

عندما اندلعت الحرب في سوريا عام 2011 دعم «حزب الله» النظام السوري بينما اتجهت العواطف السنية نحو المعارضة. كما قاتل «الحزب» دعماً للنظام وقاتلت مجموعات سنية لبنانية ضدّه. معارك القلمون والقصير وتل كلخ وحمص وحلب والحدود المتاخمة لمنطقة وادي خالد وعكار وعرسال، شهدت مواجهات كثيرة حيث اتّهم «الحزب» والنظام السوري الجماعات السنية، ومن بينها «تيار المستقبل»، باستقدام الأسلحة عبر مرفأ طرابلس وإرسالها إلى المعارضة في سوريا. واستخدم «الحزب» مع النظام السوري ظاهرة تنظيمات «داعش» و»جبهة النصرة»، لتشويه صورة السنّة في لبنان من خلال الحديث عن تعاون مع هذه التنظيمات، خصوصاً في ما يتعلق بإرسال الإنتحاريين إلى بيروت والضاحية الجنوبية.

 

تجاه هذا الواقع هل يمكن أن يشكّل تسليح «الجماعة الإسلامية» انقلاباً داخل الجماعة السنّية في لبنان؟ وهل يمكن أن تحتمل الطائفة السنّية هذا الحمل الذي لم تحمله حتى أيام الحرب؟ وهل يمكن أن يأمن «حزب الله» لهذا السلاح ولهذا التنظيم المسلّح بمجرد الإطمئنان إلى قيادته الحالية ومرورها عبر العلاقة مع حركة «حماس»؟ وهل بات «الحزب» مطمئناً إلى أن هذا السلاح ليس سلاح فتنة؟ وهل الهدف من خلال كل هذه المظاهر المسلحة الخطيرة تحييد الجيش اللبناني وإخراجه من المعادلة بينما يطرح كمخرج من الحرب الدائرة في الجنوب من خلال تطبيق القرار 1701؟