Site icon IMLebanon

سنّة وشيعة.. أم أحزاب متصارعة؟!

 

النافخون على رماد الفتنة يحاولون إلباس أزمة وزارة المالية ثوب الفتنة المذهبية، وإختصار المواجهة السياسية المحتدمة على اللونين السنّي والشيعي، واستحضار كل الحساسيات التاريخية والسياسية بينهما، وتجاهل الخلفيات الأساسية والحقيقية لهذه الأزمة التي تزيد الوضع السيئ سوءاً، والانهيار انهياراً.

 

الاختلاف السياسي يبقى في صلب هذا النظام الديموقراطي، رغم كل ثغراته وعوراته، والتنافس بين الأحزاب على السلطة، والتناتش حول مغانم الحكم والنفوذ، من طبيعة التعددية الحزبية. ولكن في لبنان سرعان ما يتخذ أي خلاف بين طرفين سياسييْن، أو حتى بين حزبيْن، طابعاً مذهبياً حيناً، وطائفياً أحياناً، وقد تُشارك بعض القيادات في الترويج لمثل هذه الحملات الطائفية والمذهبية، بغية شد عصب جمهورها، ولو على حساب الوشائج الوطنية، التي تشد الناس إلى بعضهم بعضاً، على منابر التنوع والتعدد في إطار الوحدة.

 

المعركة الدائرة هذه الأيام حول حقيبة وزارة المالية، ليست الأولى من نوعها، وقطعاً لن تكون الأخيرة، وسبق للمسرح السياسي اللبناني أن شاهد في السنوات الأخيرة الكثير من مثيلاتها، بوجهيها السياسي والدستوري.

 

سياسياً، ليس صحيحاً الكلام بأن المواجهة محصورة بين رؤساء الحكومات السابقين والثنائي الشيعي، وإن كان الطرف الأول قد اتخذ مبادرة إعلان الصوت الأول في تطبيق المداورة على جميع الحقائب، وعدم تخصيص وزارة معينة لطائفة محددة، وخاصة المالية للشيعة، والطاقة للموارنة، والداخلية للسنّة.

 

معارضة إبقاء المالية مع الثنائي ضمت أطيافاً طائفية وأحزاباً سياسية على مستوى الوطن، بدءاً من التيار الوطني الحليف للحزب، حيث اعتبر رئيس التيار جبران باسيل أن الإصرار على التوقيع الثالث، يعني تطبيق المثالثة، ونحن ضدها قطعياً. وكذلك كان موقف رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع معارضاً بشدة لإبقاء المالية تحت جناح فريق مذهبي وسياسي محدد، وكذلك كانت معارضة رئيس الكتائب سامي الجميل والنواب المستقلين وأقرانهم المستقيلين. وجاء كلام البطريرك الراعي في عظاته الأخيرة، وخاصة أمس الأحد، تتويجاً لما يمكن تسميته معارضة وطنية شاملة، لاستثناء المالية من المداورة في الحكومة العتيدة.

 

وهنا يُطرح سؤال «ميثاقي»: هل يستطيع مكون واحد أن يقف بمواجهة كل المكونات الطائفية والسياسية الأخرى؟.. وبعبارة أخرى: هل من الحكمة أن يصر مكون واحد، مهما بلغ شعور فائض القوة لديه، أن يفرض خياراته على بقية الشركاء في الوطن والمصير؟

 

أما الجانب الدستوري من الأزمة الراهنة فيكاد يكون واحداً مثل الأزمات السابقة، مع بعض الاختلافات البسيطة. في الاستحقاقات السابقة كان أسلوب التعطيل هو السلاح الأول في المعركة. من احتلال الساحات في وسط العاصمة إلى تعطيل جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية على مدى سنتين ونصف السنة، إلى التأخير المتعمد لولادة الحكومات، كلها عوامل ساهمت في ما وصل إليه البلد من تعثر وإفلاس، وما سبق من فساد وما نتج من انهيار.

 

الفارق الكبير والخطير بين الأمس واليوم، هو أن وضع البلد في هذه المرحلة في حالة هي أشبه بالاحتضار، والدولة في سباق بين الحياة والموت، والوطن كله في العناية الفائقة متعطشاً إلى شهقات من الأوكسجين ليحافظ على أنفاسه، وأمام الجميع فرصة الإنقاذ مع المبادرة الماكرونية والدعم الدولي المستجد، في حين أن الأيام الخوالي بالأمس، كانت تسمح بهامش من المناورات لأشهر من التعطيل وتكتيكات الكر والفر.

 

في الأزمة المتفاقمة ليس هناك طرف منتصر وآخر منهزم، مهما كانت النتائج، سواء لصالح الثنائي أم لفريق معارضيه، فالكل سيكون خاسراً، والخاسر الأكبر سيكون البلد الذي ضاعفت الخلافات السياسية، وفساد السياسيين من مآسيه ومحنه، والتي كان آخرها الانفجار الزلزالي في المرفأ وما خلّفه من دمار وخراب في أرقى أحياء العاصمة.

 

بقيت كلمة…

 

لا مصلحة لأحد بتحويل هذه الأزمة السياسية إلى معركة بين السنّة والشيعة، لا على المستوى الإسلامي، ولا على مستوى البنية الوطنية، ولا نخال أحداً يرغب، أو مستعد للمغامرة في خوض مواجهة لن يكون فيها طرفاً رابحاً، بل سيخرج الجميع منها مدمراً. وعلى قيادات الطرفين كبح جماح الشباب المحتقن على وسائل التواصل، ونزع بذور الغضب والتهور والكراهية من عقول وصدور قادة الغد، قبل أن يتملك منهم الجهل والتعصب الأعمى ويقودهم إلى نيران الفتنة وبئس المصير.

 

أي معركة بين السنّة والشيعة لن تقتصر تداعياتها على نسف الوحدة الإسلامية وحسب، بقدر ما سيؤدي أوارها إلى دك مداميك بيت الوطن، وسقوط سقوف منازله المتعددة فوق رؤوس الجميع. فحذاري اللعب بأوتار الفتنة!