سيناريوهان للحكومة بعد عودة سلام من نيويورك… وبري يسأل الحزب: إلى أين؟
تلويح التيار العوني بالحرب الأهلية لقطع طريق قهوجي إلى بعبدا!
قلق متزايد من توترات أمنية تعيد رسم صورة «حرب البارد» وتداعياتها السياسية
يُشكّل الخطاب التصعيدي الطائفي لـ «التيار الوطني الحر» منعطفاً خطيراً في المشهد السياسي الداخلي، ولا سيما أنه يُحاكي مقدّمات الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 ويستعيد مفرداتها لمصلحة عودة نغمة الطروحات التقسيمية من بوابة الحديث عن انهيار صيغة لبنان العيش المشترك وضرب الميثاقية.
وتعزو أوساط في قوى «8 آذار» هذا التصعيد إلى الحاجة التعبوية، في لحظة يشعر فيها «التيار» أن الوقت لا يلعب لصالحه، وأن التأزم في المشهد الإقليمي يُضعف حظوظ الفرصة الرئاسية للعماد ميشال عون، الذي كان يراهن على أنها باتت قاب قوسين أو أدنى من التحقق. فالشعور بضمور هذه الفرصة، والذي من شأنه أن يترك آثاراً سلبية على جمهور التيار، يدفع برئيسه جبران باسيل إلى رفع سقف الخطاب السياسي والطائفي لشدّ العصب في حسابات تثبيت زعامته الداخلية من جهة، ومحاولة الحفاظ على موقع متقدّم في الحضور السياسي والإمساك بالمبادرة لملاقاة ما قد تحمله التطورات المقبلة، من جهة أخرى.
وفي رأي المتابعين على مقلب حلفاء «الجنرال»، أن التيار لم يكن بإمكانه الذهاب بالخطاب المسيحي إلى الحدود التي بلغها راهناً لولا المرونة التي وفّرها له تحالفه الأخير مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والغطاء التمثيلي الذي وفّرته معراب للرابية.
على أن السؤال الذي بدأ يُطرح في كثير من الكواليس السياسية يتمثل بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه «التيار» في حركته الاعتراضية، وحدود ملاقاته لهذه الحركة من قبل الحلفاء القدامى والجدد، سواء في حارة حريك أو معراب؟
فالتصعيد العوني لا يرتبط ، في خلفية المشهد، باستحقاق التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي فحسب، بل بما يتيحه هذا التمديد من فرص حقيقية للرجل للوصول إلى سدّة الرئاسة على ضوء ما قد تحمله المرحلة المقبلة من أحداث سياسية وأمنية وتبدّلات على الساحتين الداخلية والإقليمية تجعل منه ضرورة وخياراً لا بدّ منه.
وإذا كانت القراءات على ضفتي 8 و14 آذار تتوقع استمرار هذه الوتيرة من الاهتزاز السياسي، فإنها غير قادرة على تحديد حجم التداعيات والنتائج التي يمكن أن تترتب على هذا الاهتزاز، ذلك أن الحديث عن إمكانية استقالة رئيس الحكومة تمام سلام آخذ في التنامي، ولا ينـدرج في إطار أي مناورة، فالإمعان في شلّ الحكومة وتعطيلها يجعل بقاءها عبئاً، فيما تحرّر الاستقالة الحكومة من الضغوط التي تتعرّض لها، بحيث تصبح معها «حكومة تصريف الأعمال» أكثر إنتاجية وفعالية من الحكومة القائمة، والعاجزة أصـلاً عن اتخاذ أي قرار في ظل الآلية المُتـبَعة.
ويرسم أحد العارفين سيناريوهين مرتقبين للحكومة: إما أن تفضي حركة «حزب الله» باتجاه عون إلى ضبط إيقاع «لعب التيار» والعودة إلى حدود السقف المُتاح، بحيث يمكن للحكومة أن تخرج من حال الشلل إلى حال الإنتاجية ولو بحدها الأدنى، وإما ذهاب سلام إلى الاستقالة، بعد عودته من نيويورك التي سيتوجه إليها لتمثيل لبنان في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وإنْ كان ثمة تأكيد في دوائر «حزب الله»، وفقاً لجهات لصيقة بالحزب، على أن بقاء الحكومة لا يزال يُشكّل إحدى الثوابت لديه، على أقله في المدى المنظور، ولا يزال متمسكاً بالحفاظ على الستاتيكو القائم سياسياً وأمنياً.
وفي قراءة تلك الجهات أن «الحزب» رمى بثقله لتفكيك «اللغم» الذي كاد يُفجّر الساحة سياسياً، فهو تضامَن مع عون بعدم حضوره مجلس الوزراء أمس، و«باع» سلام موقفاً إيجابياً، فيما حافظ على الوصل مع الرئيس سعد الحريري، وعلى التنسيق مع النائب وليد جنبلاط ، وغازل الرئيس نبيه برّي الذي أمّن نصاب الجلسة، وأكد على حلفه الاستراتيجي مع «جنرال الرابية» بحيث يُشكّل رافعة سياسية له في هذه اللحظة المصيرية، فأمسك العصا من وسطها داخلياً، في وقت رفع من سقف مواجهته الإقليمية من خلال هجومه على المملكة العربية السعودية، مدركاً أن معركته الرئيسية هي في الميادين المشتعلة في الإقليم، ولا سيما في الميدان السوري، الذي يبقى الفيصل في رسم معالم المرحلة المقبلة.
ويكشف متابعون على صلة بقوى 14 آذار أن برّي كاشف «حزب الله» بأن المدى الذي يذهب إليه «التيار الوطني» لم يعد مقبولاً، وأنه بات مُطالباً بإجراء مكاشفة معه بغية إعادة ضبط الأمور بما يُجنب البلاد مغامرة قد لا تكون محسوبة النتائج. فبعد تعليق «طاولة الحوار»، في ضوء «إشكالية الميثاقية» التي طرحها باسيل وإمكان امتداد التعطيل إلى الحكومة بعد مجلس النواب، يطل خطر الانهيار الكامل للمؤسسات، الأمر الذي يحمل في طيّاته مخاطر انكشاف البلاد ليس فقط سياسياً، بل أمنياً أيضاً، ولا سيما أن الاهتراء الاقتصادي والتدهور المعيشي باتا يُشكّلان، مع تداعيات النزوح السوري، عوامل ضاغطة على البلاد، في وقت يرتفع منسوب القلق من احتمال وقوع أحداث أمنية قد تتعدّى التوترات المحدودة إلى احتمال السقوط في حرب مشابهة لحرب «نهر البارد»، حيث الأنظار متجهة إلى مخيّم «عين الحلوة» وما يمكن أن تتركه تلك البقعة الجغرافية، إذا ما انفجرت، من تداعيات على محيطها والجنوب، ومن تحوّلات في الواقع السياسي اللبناني!