تعددت القراءات والورقة واحدة: دعوة الرئيس ميشال عون رؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة الى لقاء تشاوري في قصر بعبدا. وليس ذلك خارج المألوف حيال أية خطوة في لبنان، حيث يتحكّم الموضوعي والذاتي، الواقعي والخيالي بقراءة السطور وما بينها، وممارسة هوايات التبسيط والتعقيد. فالمتحمسون للدعوة والمرحبون بها يبالغون في تصوير الأهداف وتوسيع جدول الأعمال الى حد اعطاء الانطباع بأن كل الملفات المتراكمة قبل الطائف وبعده مفتوحة على الطاولة: من قضايا الناس العادية التي تأخّر العمل فيها الى مسائل الوطن والدولة المهمة التي نصّ عليها اتفاق الطائف وبقيت من ورق، وتلك التي نصّت عليها القرارات الدولية وبقي تطبيقها ناقصا.
والمعترضون عليها والمنتقدون لها يبالغون في رؤية سلبياتها: من تصوير استثناء المعارضة من الدعوة بأنه تكريس سلطة بلا معارضة الى الايحاء ان ما وراء الدعوة مجرد أهداف تاكتيكية في اطار العلاقات العامة وصناعة مناخ سياسي مريح، ولو بالوعود، لتجاوز صدمة التمديد الثالث للمجلس النيابي.
ومهما يكن، فان الواضح أمران: أولهما ان رئيس الجمهورية يريد اختصار الوقت الضروري لاتخاذ القرارات المطلوبة في مجلس الوزراء والمجلس النيابي والمتعلقة بمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية والأمنية والسياسية والاجتماعية. وثانيهما ان الرئاسة هي صمّام الأمان وصاحبة المبادرة في ضمان التوافق على مواجهة الأخطار والتحديات أمام لبنان في الداخل وفي التحولات المتسارعة من حوله، حيث بات الاستمرار في الألعاب السياسية على حافة الهاوية وصفة ل الانتحار الوطني. فاللقاء في بعبدا، نظرا الى مواقع المدعوين في صنع القرار، هو سوبر مجلس وزراء. وهو أيضا سوبر مجلس نيابي لأن المجلس النيابي الفعلي مؤلف من سبعة نواب، وان لم يكونوا جميعا أعضاء فيه.
لكن ما يسمّى تفعيل عمل الدولة مهمة صعبة في لبنان حيث الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية حسب التعبير الشائع للرئيس سليم الحص. فلا مجال لتكبير الرهانات على لقاء واحد، لأن الخيارات العملية محدودة، سواء خلق اللقاء دينامية أو دخل في الروزنامة فقط. ولا من الممكن، حتى وسط الاحتفال بقانون انتخاب صنع في لبنان والوعد بقوانين وقرارات أخرى، تجاهل الترابط بين بعض الخلافات الداخلية وبين الصراعات الاقليمية والدولية، فكيف اذا كان بعض الاعتدال في المواقف سياسة موقتة في انتظار تطورات اقليمية تكرّس بدء المرحلة النهائية للامساك بالقرار والمصير في لبنان؟ وكيف اذا كنّا جميعا، على اختلاف المواقع والمواقف، عاجزين، لا فقط عن بدء ايفاء الدين العام بل أيضا عن وقف التنامي الخطير لأرقام الدين العام الفلكية؟
المعادلة حتى الآن هي: زعماء أقوياء في دولة ضعيفة.