لا يخلو اي قرار او موقف تتخذه الحكومة في ظل الشغور الرئاسي، الذي أدى الى اناطة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء، من «عين الرصد الميثاقية» بداعي الخشية من التسلل عبر باب الضرورات الملّحة للاطاحة بالصلاحيات الاجرائية التي يختصّ بها رئيس جمهورية لبنان في ظل دستور الطائف.
والخشية المسيحية، لا سيما المارونية، تتعاظم تباعا مع مضي ايام الشغور، من تكريس اعراف دستورية من شأنها افقاد موقع الرئاسة ما تبقى من صلاحيات، في حين كان المأمول ان يتطور النقاش السياسي الوطني وصولا الى اعادة النظر ببعض النصوص الدستورية للملاءمة بين المسؤوليات والصلاحيات، ولتمكين رئيس الجمهورية من لعب دور الحكم الذي اناط الدستور به وحده ممارسته، وبما يمنع طغيان مؤسسة دستورية على أخرى، مع تمكين موقع الرئاسة من قدرة التحقق من فصل السلطات وتعاونها.
ونظرا للاهمية التي تمثّلها الهيئات الرقابية والدستورية في لبنان، مثل مجلس الخدمة المدنية والمجلس الدستوري ولجنة الرقابة على المصارف وهيئات التفتيش وغيرها، فانه تم ربط ممارسة هذه الهيئات لمهامها وصلاحياتها برئيس الجمهورية مباشرة من خلال اداء اليمين القانونية أمامه، ولذلك «مع وجود النص الواضح، لايجوز الاجتهاد او محاولة تدوير زوايا، من شأنه ان يطيح بما تبقى من دور اجرائي لرئيس الجمهورية»، على حد تعبير سياسي مسيحي بارز.
السبب الذي يدعو الى طرح هذه المسألة يتصل بما يراه السياسي المسيحي «استسهال البعض نهائية الربط بين اداء اليمين امام الرئيس وممارسة المهام لهيئات اساسية لها دور اساسي في انتظام عمل المرافق العامة والادارات والقطاعات العامة والخاصة، ومن هذه الهيئات لجنة الرقابة على المصارف التي يدور لغط حول كيفية مقاربة مسألة انتهاء مهامها وكيفية معالجة هذا الامر في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية».
المشكلة التي تواجهها لجنة الرقابة على المصارف هي ان القانون واضح جدا، اذ عند تغيير عضو من اعضاء اللجنة وتعيين بديل او تعيين لجنة جديدة، على العضو او كامل اللجنة حلف اليمين القانونية امام رئيس الجمهورية، لان حلف اليمين شرط اساسي لمزاولة اللجنة او العضو عمله. ومع اقتراب انتهاء ولاية اللجنة الحالية تطرح المشكلة المتمثلة بعدم وجود رئيس جمهورية لكي تحلف اللجنة الجديدة عند تعيينها اليمين امامه، وبالتالي عدم امكانية ممارسة مهامها قانونا.
يرى السياسي المسيحي أن «الخيار المتاح اليوم لحلّ هذه المشكلة هو بالتمديد للجنة الجديدة وهذا يحتاج الى اقناع رئيسها بالبقاء لانه على ما يبدو مصر على الرحيل، وعند التمديد للهيئة الحالية بكامل اعضائها فهم غير مضطرين لحلف اليمين القانونية امام رئيس جمهورية لم ينتخب بعد، ولسبب بسيط انهم مستمرون في ذات المهام التي سبق ان ادوا اليمين على القيام بها امام رئيس الجمهورية قبل انتهاء ولايته الدستورية، على ان يكون التمديد لكامل اعضاء اللجنة من دون تعيين اي عضو جديد لانه في هذه الحال يصبح لزاما عليه حلف اليمين امام الرئيس».
ويؤكد السياسي نفسه ان «لا مناص من التمديد لجميع اعضاء اللجنة، او الدخول في الفراغ بحيث يستلم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الامور، تماما كما حصل في العام 2010. اما في حال اقدام مجلس الوزراء على تعيين لجنة جديدة فان المنطق القانوني يقول باستمرار الهيئة المنتهية الولاية في اداء مهامها وتنتظر الهيئة المعينة انتخاب رئيس جمهورية لكي تحلف اليمن امامه حتى تتمكن من مزاولة عملها».
ويستغرب السياسي المسيحي «الصراع القائم على الحصص في لجنة الرقابة على المصارف بين القوى الممثلة داخل الحكومة، لا سيما الفرقاء المسيحيين، متناسين ان المسألة مرتبطة بوجوب صيانة صلاحيات الرئيس قبل تحقيق مكاسب شخصية، الا اذا كان الهدف تنفيعات وارضاء لشخصيات معينة لاغراض انتخابية لاحقة، لانه كما هو معلوم كل عضو في اللجنة يتقاضى مجموع مخصصات شهرية تبلغ نحو 34 مليون ليرة لبنانية».