منذ أكثر من أسبوع، ورفوف السوبرماركات والمحال التجارية في البقاع تفرغ من المواد الغذائية المدعومة اثر الأزمة الإقتصادية المستفحلة. فقد اختفت هذه المواد كلّياً، ولا سيّما السكر والأرز وباقي الحبوب، ما يفسّر أنّ دعمها وِفق الآلية العشوائية يحتاج الى خريطة عمل كاملة، تصل مباشرة الى الأُسر المحتاجة والتي أصبحت تُشكّل أكثر من 80% من اللبنانيين، وتقضي أولاً بإقفال قنوات التهريب الى سوريا، وثانياً بوضع آلية تضبط أي احتكار لهذه المواد، من التجّار المتموّلين لضمان وصولها الى المواطن. فثلث مئات ملايين الدولارات التي رُصدت لهذا الدعم يذهب الى جيوب التجّار، ووِفق جدول يؤكّده العديد من التجّار وأصحاب السوبرماركات، أنّ 33% يذهب الى مخازن التجّار والمواطنين المقتدرين، و32% يُهرّب الى سوريا ولا سيّما السكر والارز، و35 % للمواطنين.
هكذا، وقع المواطن بين سندان استمرار مزراب الهدر من دون أن يبلغ الدعم هدفه، وبين مطرقة الغلاء الفاحش وقدرته على المواجهة.
يكفر عمران خالد بالحال التي وصل اليها، كونه موظّفاً لا يزال يتقاضى 900 الف ليرة كراتب شهري، ويسأل كيف يُمكنه أن يستمرّ في ظلّ ارتفاع الأسعار 7 أضعاف عمّا كانت عليه، في وقت تضاعفت فيه أسعار المواد الغذائية الأساسية بالرغم من الدعم، وليس من السهل إيجادها.
ويلفت المواطن سميح أبو علي الى أنّ سعر صرف الدولار وصل الى 10 آلاف ليرة، في اواخر شهر حزيران وبداية شهر تمّوز، وارتفعت الأسعار على أساسه، ولم تنخفض من يومها، فـ”صرنا نحطّ كلّ الراتب حقّ أكل وما عم يكفّينا، الله قالها كيلو العدس وصل للـ 13 الف ليرة والسميدي للـ 7 آلاف ليرة”؟؟ ويعتبر “أنّ جشع التجار واستغلالهم للفوضى الحاصلة يزداد نتيجة لغياب الدولة”.
وتكشف مصادر متابعة لـ”نداء الوطن” أنّ 30% من المواد الغذائية المدعومة، وتحديداً السكر والأرز وزيت الذرة، تمّ بيعها الى تجّار سوريين، عمدوا الى تهريبها عبر طرقات غير شرعية في منطقة البقاع الشمالي المحاذية للحدود البرّية السورية. وتقول “إنّ كمّيات الأطنان لم يتمّ شراؤها من السوبرماركات والمحلّات التجارية كما يحاول تجّار الجملة إيهام وزارة الإقتصاد، ومن باع المهرّبين هم تجّار المفرّق، وعملية بيع المواد الغذائية المدعومة للمهرّبين تتمّ على طريقة أن تُباع البضاعة بفواتير لأسماء سوبرماركات، ولأنّ لا آلية لمواكبة وصول هذه المواد المدعومة للمواطن يستسهل التلاعب بها، وبيعها للمُهرّبين أو احتكارها الى حين رفع الدعم وإعادة توضيبها وبيعها على أنّها مواد غير مدعومة كما يجري حالياً في الأسواق.
لا يُخفي صاحب سوبرماركت في البقاع ماجد حمزة أنّ المشكلة الأساسية في طريقة الدعم عدم وضع آلية تحمي السلعة من الإحتكار من تجّار مُقتدرين ويملكون السيولة الكافية، ويقول: “يتمّ تسليم المواد المدعومة بطريقة استنسابية بكمّيات متفاوتة بين سوبرماركت وأخرى، وهذا لا يُمكن حصره في عدد الزبائن والكمّية المستهلكة، وأيضاً أكثر المستفيدين من الدعم هم الأشخاص المقتدرون، يشترون كمّيات كبيرة ويخزّنونها في منازلهم، أمّا صاحب الدخل المحدود فاستفادته فقط بالكمّية المُستهلكة. غالبية الأشخاص من ذوي الدخل المحدود لا قدرة لهم على شراء اكثر من 5 كيلوات سكر وأرز وغيره من المواد اي كفاف شهرهم”، ويرفض تحميل أصحاب المحال المسؤولية في ارتفاع الأسعار، ويقول:”بسبب تلاعب سعر صرف الدولار يومياً، نتعرّض للخسائر ما لم يثبت سعر الصرف عند سعر معين”.
ويؤكّد رئيس تجمّع الصناعيين في البقاع نقولا أبو فيصل لـ”نداء الوطن” فشل آلية دعم المواد الغذائية بالطريقة المُتّبعة، ورفعها في ظلّ هذه الظروف المعيشية السيّئة، من دون وضع الحكومة خطّة جديدة لإيصال الدعم للمواطن اللبناني، يشكّل كارثة اجتماعية كبيرة”، ويقول: “كلفة الدعم شهرياً 700 مليون دولار، وحسب المعطيات، بعد ثلاثة شهور لن يتوفر الدولار في مصرف لبنان، وهنا ستكون الكارثة، لأنّه حينها سعر ربطة الخبز سيصل الى 5 آلاف ليرة، وسعر صفيحة البنزين من 65 الفاً الى 100 الف ليرة، ما يسبّب كوارث اجتماعية”. ويفنّد أبو فيصل سبل الحلّ بـ”ضرورة تعزيز النقل المشترك، تخصيص المواطن بقسائم شهرية، دعم القطاعات المُتضرّرة من هذه الآلية نظراً الى أنّ اللاجئين السوريين والسيّاح والسفارات ورجال الأعمال والسياسيين، جميعهم يستفيدون من هذا الدعم أسوة بالطبقات الإجتماعية المحتاجة. ويرى أنّ “الأكثر استفادة من هذا الدعم هم التجّار لاستحالة مراقبة السلع المدعومة، وامكانية بيعها او تهريبها، لذا من الضروري والأهمية تحويل الدعم الى الصناعة بدل استيراد سلع ودعمها، ليتمّ إنتاج سلع مدعومة وذلك تعزيزاً للصناعة ولخلق فرص عمل جديدة”.
النقابات الزراعية
وإثر قرار وزير الإقتصاد راوول نعمة برفع الدعم عن المستلزمات الزراعية، أصدرت النقابات الزراعية: “تجمّع المزارعين والفلاحين في البقاع، ونقابة مزارعي القمح ونقابة مربّي الأبقار ونقابة مربي الخيول بيانات استنكرت فيها هذا القرار، وطالبت وزير الزراعة “بالتدخّل لوقف هذه الكارثة في ظلّ أزمة اقتصادية معيشية خانقة”. واعتبرت “انّ قرار وزارة الإقتصاد هو هروب من واجبها ومسؤوليتها في تحديد الأسعار ومراقبتها للوصول الى المواطنين، بينما واجبها تحديد الحدّ الأقصى للأسعار وآلية بيعها في السوق اللبنانية بالجملة والمفرّق، ومراقبة أصول البيع ومنع الإحتكار، ووضع آلية فعالة من شأنها اتّخاذ إجراءات قاسية بحقّ كلّ من يخالف أحكام قرار الوزارة”.