Site icon IMLebanon

محال السوبرماركت في لبنان… نعمل أيضاً لأجلِكم!

 

سعر مختلف بين متجر وآخر والخضار كالبورصة

بين سوبرماركت وآخر سعر الصنف الواحد أسعار، ولا “من يلاحق أو يهتم”، وبين المدعوم والمتروك داخ المواطن اللبناني المسكين الذي أكلوا عرقه ويتناتشون أشلاءه ويهددونه، مع كل إشراقة شمس، بأن الآتي أعظم!

 

حين يتحدثون نُشفق عليهم، لسذاجتهم في الظن بأننا ما زلنا نصدقهم، وهم في ذلك جاهلون أن الشفقة عاطفة لن تدوم إذا تعرضت الى هجوم يومي مدمر. فها هم قد دمرونا بالكامل، وقزموا أحلامنا الى حدود الحصول على ربطة خبز وعشرة ليترات بنزين وحبة دواء وقنينة زيت قلي وعلبة جبنة باب أخير وعلبة لبنة بلا اسم. تبدلت أولوياتنا وتغيّرت أحوالنا وصرنا نشحد البقاء ولو بلا أمل.

 

من صيدلية الى أخرى، ومن محطة بنزين الى أخرى، ومن سوبرماركت الى آخر، ومن صرّاف آلي الى آخر لنستبدل آخر ما تبقى لدينا من العملة الصعبة القليلة بقليل من الليرات التي بلا قيمة ولا بقاء. نقف صفاً طويلاً أمام الصراف الآلي التابع لبنك بيبلوس، فرع الدكوانة، فتخرج العاملة التي تعاملنا بقلة احترام وتصرخ بنا: “خلصوا المصاري تعوا بعد الظهر”. حتى العملة اللبنانية يقننونها. يدق الهاتف معلناً قدوم خبر جديد: هل رفع الدعم عن أسعار الأدوية؟ نفتش في حقائبنا عن بعض العملة اللبنانية ونهرع الى أقرب صيدلية لشراء دواء لمرض مزمن. يا الله أين صرنا. يا لهول ما فعلوه بنا.

 

12 شركة سوبرماركت في لبنان، تملك ستين نقطة بيع، بحسب نقيب أصحاب السوبرماركت في لبنان نبيل فهد. وفهد يملك السوبرماركت الواقعة عند مدخل نهر الموت، في حين أن متاجر أخرى باسم فهد مملوكة من أقارب له. في لبنان سلسلة متاجر ضخمة بينها سوبرماركت “لو شاركوتييه عون” و”كارفور” و”هابي” و”سبينس” و”رمال الأصلي” و”مترو سوبر ستور” و”أم بي ماركت” و”استهلاكية الجنوب للتسويق والتموين” و”سوبرماركت البقاعي… ويفترض بأصحاب السوبرماركت أن يوازنوا في أسعارهم كي لا يفقدوا زبائنهم من ميل والمحافظة على رأسمالهم من ميل آخر. وهذا معناه أن لكل سوبرماركت، في سوق حر مثل لبنان، أن يرفع ثمن بعض السلع إذا كان يؤمن الرفاهية لزبائنه. فيقفون في موقف نظيف، مبرّد، تحت الأرض، ويجدون عمالاً يساعدونهم في نقل المواد المستهلكة، ومعقمات يبللون بها أيديهم بين حين وآخر ليطمئنوا وهم يتسوقون. فالرفاهية لها ثمن. لكن، هل هذا معناه أن يزيد سعر نفس السلعة، بنفس الحجم، ثلاثة آلاف بين متجرين يبعدان عن بعضهما البعض خمس دقائق في السيارة؟

 

سيتي سنتر، في بيروت، شبه فارغة. والعمال فيها أكثر من الزبائن، والزبائن أتوا للتسوق من كارفور أكثر من “الكزدرة” في المول. والوجوه، بغالبيتها، صفراء شاحبة. اللبنانيون ما عادوا كما كانوا قبل عام وعشرة وعشرين. كل مصائب العالم نزلت فوق أمخاخهم مرة واحدة وبشكلٍ مباشر. أدوات التنظيف مطلوبة ويمكن وضع بدل المسحوق الواحد اثنين، قبل رفع الدعم وارتفاع السعر. رجلان يتسامران وهما يبحثان عن دواء للجلي “بريو”. هو الأكثر رخصاً. نراهما يكدسان منه. تقترب منهما إمرأة وتسألهما: هل هو جيّد؟ فيبتسمان لها وينصحانها باستبدال الدواء الذي كان”يرغي ويرغي ويرغي” في الإعلانات به. ذاك ثمنه 18 ألفاً وهذا 4 آلاف و250 ليرة. اي يمكنها أن تشتري أربعة بسعر واحد. وينبهانها: لا تشتريه من لو شاركوتييه عون لأن سعره هناك يلامس الخمسة آلاف ليرة (4925 ليرة).

 

أصحاب محال السوبرماركت يعملون لأجلهم لا لأجلنا، وهذا، في الظروف الطبيعية طبيعي، لكنه في مثل هذه الظروف يُصبح ما يرضيهم ثقلاً هائلاً على كاهل المستهلك. فلنأخذ البن المدعوم مثلاً. فها هو بن أبي نصر ينضم الى بن نجار و”بون برازيل” في سياسة الدعم. وهناك، في كارفور، اخفوا “بن نجار” وراء رفوف البزورات والشيبس ووضعوا في الصدارة بن أبي نصر وبسعرٍ أقل من سواه من البن المدعوم. إنه يباع هناك بسعر 5 آلاف و975 ليرة، في حين بيع، في نفس النهار، في “هابي” بسعر 8 آلاف و999 ليرة، أما في شاركوتييه عون فبيع بسعر 6 آلاف و250 ليرة. لكلٍ سعره وتوجهاته ومحسوبياته وأرباحه وعقوده. والشركة التي تدفع أكثر تحلّ في الصدارة ومن “تبخل” تُصبح خلف الستارة.

 

لا دعم على المحارم الورقية وأسعارها، من نفس الصنف، تتغيّر من متجر الى آخر. وفي صنفٍ واحد، “روزانا” (32 رولو)، ثلاثة آلاف ليرة فرقاً بين شاركوتييه عون وفهد. عون غالباً أغلى من سواه. سعر الشمع يبدأ من 13 ألفاً ويزيد عن 45 ألفاً للكيلوغرام الواحد. والطلب عليه كثير، فالجميع يدرك أن “بكرا” يُخبئ الكثير. زيت “كانولا” سعة 1,89 ليتر يباع بسعر 29 ألفاً في “هابي” و34 ألفاً و330 ليرة في لو شاركوتييه. سعر الفاصولياء الصنوبرية 22 ألفاً و980 ليرة… أسعار أسعار “بتفرق” على “ألوف الليرات”!

 

نقيب أصحاب السوبرماركت في لبنان يقول إنه “من الطبيعي أن تختلف الأسعار بين المتاجر، فتباع سلعة بعشرة آلاف ليرة في متجر وبعشرة آلاف وخمسمئة في متجر آخر وبأحد عشر ألفاً في متجر ثالث. فالمتاجر تشتري من الشركات المستوردة وفق حسومات معينة، وكلما اشترينا أكثر حصلنا على حسومات أكبر وتمكنا من تقديم عروضات أكثر.

 

يبدو أن علينا أن “نبرم” السند والهند قبل أن نشتري حاجياتنا. وأن نُحدق بالعينين وبكل حواسنا قبل وضع السلعة في السلة. مقادم الغنم عليها طلب. القطعة الواحدة بسعر 2750 ليرة. سمك إجاج الكيلو “لقطة” بسعر 26 ألفاً و550 ليرة. والأفخاذ والجوانح ارتفع سعرها مجدداً بعد آخر تحديد أسعار وأصبحت 12 ألفاً و500 ليرة للكيلوغرام الواحد المدعوم. كراتين البيض، ثلاثون بيضة، اختفت كلياً من كل السوبرماركات في لبنان بعدما كانت تُشقع فوفق بعضها وتُرى بالعين المجرّدة. أصحاب السوبرماركت مثل السياسيين والمصرفيين في بلادنا يتحكمون برقابنا كما يحلو لهم.

 

الشعارات التي تضعها السوبرماركات تبدو سخيفة: “إذا بتلاقي سعر أرخص خود الصنف ببلاش”. زمان كان كارفور يضع شعار “إذا بتلاقي سعر أرخص بأي سوبرماركت إلك من كارفور 20 مرة الفرق”. يبدو أن قدميه أصبحتا أكثر على الأرض. تواضع المتجر في إعلانه الجديد. لو شاركوتييه يقول هو أيضاً في إعلانه إن “الزبون ملك” والملك، على ما يظن المتجر، لا يفاصل!

 

العيون جاحظة والأجساد، كما الروبوت، تتحرك بين أجنحة المتاجر بحثاً عن الصنف الأرخص. “بيكون” المدعومة يُثقل سعرها الظهر والكتفين. 32 قطعة بسعر 15 ألفاً و925 ليرة. يعني إذا كان لدى الأسرة ثلاثة أطفال وتناولوا الصبح والمساء سندويشات بيكون، بمعدل قطعتين في السندويش الواحد، سيحتاج رب الأسرة الى 12 قطعة يومياً، أي الى أكثر من علبتين في الأسبوع، هذا من دون إحتساب سعر الخيار والبندورة ولا سندويش المربى أو الحلاوة بعد الجبنة ولا ربطة الخبز. أسعار الخضار حلقت بين يوم وآخر. وأصبح كيلوغرام الخيار مثل البورصة، الصبح بستة آلاف وخمسمئة ليرة وبعد الظهر بأربعة آلاف وخمسمئة ليرة في كارفور، وإذا انتقلنا كيلومترين الى “هابي” فسنجد الخيار “بروموشين” بسعر 2400 ليرة. يبدو أنه ما كان ينقصنا إلا إجراء مسح ميداني قبل شراء كيلوغرام الخيار!

 

حالة اللبنانيين “زفت” وما زال السياسيون في لبنان يصرون على تناتش ما تبقى! والإنهيار، كما يقول الأستاذ في الإقتصاد الدكتور إيلي يشوعي، آتٍ. والإستقرار الأسري والإجتماعي والإقتصادي بالويل. و95 في المئة من اللبنانيين باتوا بحاجة ماسة الى دعم. والحل؟ ليس في الأفق من حلّ فلبنان أضاع البوصلة والتحليل، في الوقائع، بات بمثابة الضرب بالمندل.

 

“ماما “أونيكا” أطيب من “توتي فروتي” و”توتي فروتي” أطيب من “مارس”… هو لسان حال أم تحاول تخفيض كلفة طلبات ابنها (7سنوات) الى مستوى حال 95 في المئة من اللبنانيين اليوم. يُمسك ولدها بلوح الـ”مارس” فتضربه على يده. والدة أخرى تستبدل كورن فلاكس إختارته إبنتها بنوع آخر أرخص. ووالد يُمسك بمرطبان رب البندورة يضعه في السلة ثم يعيده الى الرف ثم يعود ليضعه ثم يعيده… اللبنانيون أصبحوا في القعر والقعر مثقوب الى ما لا نهاية! من ينتشلهم؟ تلك هي الحكاية!