وكأنه لا يكفي انّ سياسة الدعم المتّبعة لا تؤدي الغرض منها ولا تطال الطبقة الفقيرة المستهدفة بشكل مباشر، وأن تُستغلّ أيضاً السلع الغذائية المدعومة لغرض التجارة عبر تهريبها او إعادة تصديرها الى الخارج او تخزينها في المستودعات لتحقيق الارباح لاحقاً، حتى تقرّر بعض السوبرماركت فرض سياسة جديدة على الزبائن تنصّ على منعهم من شراء أي سلعة مدعومة في حال لم تتعدَ فاتورة إجمالي مشترياتهم 150 او 175 الف ليرة.
بلغت وقاحة بعض التجار حَدّ رفض تسليم «كيس» عدس مدعوم بقيمة 4500 ليرة لأحد الزبائن لأنه لم يشتر شيئاً آخر، لتؤكد هذه الحادثة المؤكّد والمعروف. انّ دعم السلع لا يطال الفقراء ويخدم الطبقة الميسورة أكثر من الفقيرة. فهل قدرة الفقير الشرائية تسمح له بشراء ما تتجاوز قيمته 150 الف ليرة من أجل الحصول على سلعة مدعومة هو بحاجة لها لتأمين أبسط غذاء لعائلته؟
في هذا الاطار، أكدت مصادر معنيّة لـ«الجمهورية» انّ مديرية حماية المستهلك قامت امس الاول بمداهمة عدد من السوبرماركت والمحال التجارية منها «لو شاركوتييه عون»، «التوفير» و»الرمال» التي كانت تتبع هذه السياسة. كما أعلنت المديرية العامة لأمن الدولة على حسابها عبر «تويتر» امس الاول، انها آزرت مراقبين من مصلحة حماية المستهلك خلال الكشف على مستودعات بعض السوبرماركت، وتم ضبط سلع مدعومة مخزّنة وغير معروضة للبيع في مستودع «لو شاركوتييه عون» في محلّة سد البوشرية، فتمّ تسطير محضر ضبط وحجز السلع المخزّنة. كما قامت حماية المستهلك أمس بمداهمة مستودعين امس في الجنوب، وتم تسطير محاضر ضبط في حقهما واحتجاز السلع المدعومة.
واشارت المصادر الى انّ احتكار السلع وتخزينها لا يشمل فقط السلع المدعومة، بل انّ ما تم ضبطه في المستودعات عبارة عن سلع اساسية غير مدعومة تحظى بطلب كبير على مدار السنة كالسكر، الزيت، الأرز، nescafe ،coffemate وغيرها، وذلك بهدف بيعها لاحقاً عند ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل اكبر وتحقيق نسبة اكبر من الارباح، او عند رفع الدعم في ما يتعلّق بالسلع المدعومة المخزّنة.
في المقابل، أوضحت المصادر انّ السوبرماركت والمحال التجارية اعتمدت هذه السياسة لسببين محقّين، الاول هو قيام بعض الزبائن من غير اللبنانيين مثل اللاجئين السوريين بشراء سلع محددة مدعومة فقط كالسكر والزيت وغيرها، ما يجعلها غير متوفرة للطبقة الفقيرة من اللبنانيين، علماً انّ اللاجئين يحصلون على دعم غذائي نقدي من برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة. امّا السبب الثاني فهو قيام بعض المجموعات كأفراد عائلة واحدة على سبيل المثال، بالذهاب الى عدد من السوبرماركت وشراء كل فرد منهم على حِدة لائحة من السلع المدعومة، وذلك مرّات عدّة يومياً ومن مختلف المحال التجارية بغرض إعادة بيعها على السعر غير المدعوم في أحد الميني ماركت او الدكاكين. وقد ثبتّت إدارات السوبرماركت هذه الوقائع من خلال كاميرات المراقبة.
إلا انّ المصادر أوضحت انّ هذه الأسباب رغم انها محقّة، لا تعطي حقّ معاملة كافة الزبائن بهذه الطريقة وتعميم سياسة محددة تُلحق ظلماً وغبناً بالفقير وبالأسَر الاكثر حاجة للدعم. معتبرة انّ الموضوع دقيق والطرفان، أي المحال التجارية والمواطن اللبناني على حقّ، ولا يمكن في ظلّ سياسة الدعم المتّبعة حالياً ضبط المخالفات بشكل كامل، «فعندما يكون الدعم غير مباشر لا يمكن ضمان وصوله الى الفئة المستهدفة، مشيرة الى انّ دعم البنزين على سبيل المثال يستفيد منه الفقراء بنسبة 6 في المئة فقط». وشددت المصادر على انّ الدعم المباشر هو الحلّ الوحيد، «لا يمكن الاستمرار بهذه السياسة التي لا تؤدي سوى الى استنزاف ما تبقّى من احتياطي عملات أجنبية». وسألت: «اذا لم تستطع الولايات المتحدة ضَبط حدودها مع المكسيك، هل سينجح لبنان في ضبط حدوده؟ لقد رأينا كيف وصلت السلع الغذائية المدعومة الى افريقيا وغيرها من الدول وكيف تم ضبط كميات من الأدوية بالسعر المدعوم يتم تهريبها الى الكونغو».
وفي الختام، شدّدت المصادر على ضرورة التمييز بين التجار وعدم تعميم الارتكابات السيئة التي يقوم بها البعض منهم على الجميع، مؤكدة انّ 99 في المئة من سبب أزمة توفّر وانقطاع السلع المدعومة من السوق مَردّه الى تأخر مصرف لبنان عدة أشهر في تسديد فواتير استيراد السلع المدعومة للتجار الذين يخاطرون ببيع السلع على السعر المدعوم قبل استرداد قيمة الدعم، ما يعرّضهم لإمكانية تكبّد خسائر كبيرة في حال تقرر وقف الدعم من دون سابق إنذار وتصميم او في حال تعثّر مصرف لبنان لاحقاً عن تسديد فواتير البضائع التي سبق وتم بيعها.