مع دخول البلاد مدارَ المهل الدستورية الخاصة بالانتخابات النيابية، تُراقب مراجع دستورية الإجراءات الحكومية للتثبتِ منها، منعاً لأيّ طعنٍ أمام المجلس الدستوري. لذلك فقد توقّفت عند احتمال تجاهلِ بعض الخطوات الواجبة، ومنها ما يتّصل بتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات أو عدمه، منعاً لاحتمال الطعن بالدعوة إليها إنْ تجاهلتها. فما هي القراءة القانونية والدستورية؟
على هامش البحث في قوانين الانتخاب والاستعدادات الجارية مع دخول البلاد المهلَ الدستورية القاتلة لإجرائها أو عدمه، هناك من لا يستبعد أن يؤدي الفشل في تنظيمها إلى الفراغ المحتوم في المجلس النيابي، وهو أمرٌ يعترف به الخبراء الدستوريون ولا يناقشونه لفقدان البديل، ما لم تُوجّه الدعوة إليها وفق الأصول سواء تمّ التفاهم – المستبعد إلى اليوم – على قانون جديد للانتخاب، أو إجراؤها وفق القانون النافذ حالياً، شرط ألّا يسمح المشرفون عليها، أيّاً كانوا من المتضررين، من اللجوء إلى المجلس الدستوري لإبطالها.
ففي الحالين، هناك من يراقب الخطوات الحكومية من منظار دستوري بحت على خلفية مساعدة العهد الجديد لإجراء انتخابات كاملة الأوصاف من جوانبها المختلفة، الإدارية والدستورية والسياسية واللوجستية، خوفاً من أن تهتزّ صورته في أقلّ من مئة وخمسين يوماً على بدئه.
لذلك، فهي تبحث في أفضل الظروف لتجريَ انتخابات بكلّ مقوّماتها النظامية التي لا يرقى إليها أيّ شكّ في لحظة من اللحظات انطلاقاً من احترام الأصول والقوانين المرعيّة الإجراء، فهُم مجموعة ممَّن لا ناقة لهم ولا جَمل في هذه الانتخابات، وليسوا على لائحة المرشّحين أو المستفيدين من هذه الانتخابات ترشيحاً أو انتخاباً.
على هذه الخلفيات، ينبّه المتمسّكون بالأصول الدستورية المشرفين على العملية الانتخابية، في أيّ موقع كانوا، مِن مخاطر تجاهلِ بعض الخطوات الواجبة، ولا سيّما تلك المتصلة بهيئة الإشراف على الانتخابات التي يتمّ تجاهُلها في هذه الأيام وكأنّها من الخطوات غير الضرورية أو أنّ أوانَها لم يحِن بعد، علماً أنّ التوجّه عند إقرارها كان يقود إلى شرط وجودها في أيّ انتخابات ولو كانت نيابية أم بلدية شاملة أم فرعية، فهي من الخطوات التي لا بدّ منها على طريق الوصول إلى مرحلة تشكَّل فيها هيئة خاصة للإشراف على الانتخابات، فلا تتدخّل في شؤونها وشجونها المراجعُ السياسية والحكومية التي تشرف على أيّ عملية انتخابية لقيادتها وفق قوانين واضحة وصريحة تُبعد شبح تدخّلِ أهلِ الحكم والحكومة في مجرياتها.
يَعترف الخبراء الدستوريون بأنّ هناك نقاشاً قاسياً وحادّاً بين وجهتَي نظر، واحدة تقول بضرورة تشكيل هذه الهيئة كخطوة واجبة قبل إجراء أيّ عملية انتخابية، وأخرى تقول إنّ القانون 25 / 2009 المعروف بقانون الدوحة تحدّثَ عنها بصيغة توحي بأنّها كانت لمرّةٍ واحدة. لذلك لم يلتزمها القيّمون على سلسلة من الانتخابات الفرعية التي أجريَت لاحقاً في أكثر من مناسبة، ومنها الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة.
وعند الدخول في نقاش حول صوابية أيّ من الخيارين، يجد الخبراء الدستوريون مجالاً واسعاً للنقاش يُبرّر الرأيَين معاً، لمجرّد العودة إلى بعض المواد في قانون الانتخاب نفسِه والتي يلتبس على البعض تفسيرُها بشكل حازم لا يحتاج إلى نقاش وفق نظريتَين، هما:
الأولى تتّصل بأصحاب الرأي الذي يقول بعدم ضرورة إنشائها، فيتوقّفون عند مضمون المادتين 12 و13: الأولى تقول بما يأتي: «تنشأ هيئة تسمّى هيئة الإشراف على العملية الانتخابية وتمارس مهامَّها المحدّدة وترتبط بوزير الداخلية الذي يشرف عليها ويُحدّد موقعَها ويَرأسها من دون أن يكون له الحقّ في التصويت».
وتقول الثانية: «تبدأ ولاية أعضاء هذه الهيئة من تاريخ صدور مرسوم تعيينهم بناءً لقرار في مجلس الوزراء، وتنتهي بعد ستة أشهر من تاريخ إتمام هذه الانتخابات النيابية العامة». ويُبرّرون موقفَهم بأنّ المادتين لم تلحظا أيَّ موعد لإنشائها تزامُناً مع تحديد مهلة إنهاء مهمّتها.
أمّا أصحاب الرأي الثاني الذي يقول بإلزامية تشكيلها، فهم يستمدّون نظريّتهم من المادة 19 التي تحدّد مهامّ الهيئة التي تُوحي بموعد تشكيلها وإلزاميته مع إجراء أيّ انتخابات لتتمكّنَ من القيام بالمهام المنوطة بها.
وهي تقول ما معناه: «تلقي طلبات وسائل الإعلام الخاصة الراغبة بالمشاركة في الإعلان الانتخابي المدفوع ومراقبة التقيّد بلوائح المرشحين على اختلافها بالقوانين والأنظمة التي ترعى المنافسة الانتخابية وفق الأحكام القانونية، وممارسة الرقابة على الإنفاق الانتخابي وتسلّم الكشوفات المالية العائدة للمرشّحين خلال مهلة شهر من تاريخ إجراء الانتخابات ووضع تقريرِها النهائي الذي يُرفع الى مجلس الوزراء».
وما بين النظريّتين وما يُبرّرهما، يتوقّف الخبراء الدستوريون أمام أهمّية مراعاة هذه الوقائع في التحضير للانتخابات المقبلة، فلا يستدرجون أيّ طرف يمكنه مراجعة المجلس الدستوري للطعن بأيّ قانون يتجاهل تشكيلَ هذه الهيئة، مع عِلمهم أنّ أيّ تفاهمٍ سياسي عريض، سواء تمّ على إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ أو وفق أيّ قانون جديد، سيلغي تلقائياً وبشكل مسبَق ما يقول به الدستور. فتذهب جهود الساعين إلى تفسيره هباءً، والتجارب على هذه الحقائق متعدّدة ومضمونة النتائج.
فالدستور تحوَّلَ في أكثر من مناسبة مجرّد منصّةٍ لبعض الراغبين في تفسيره كلٌّ على هواه، على طريقة «أعطِني ما تريده من تفسير للدستور وأنا أعطيك القراءة التي تناسبك»، فالعملية يمكن أن تتمّ غبّ الطلب. وللبحث صلة.