هل صحيح ما قاله النائب سيرج طورسركيسيان عن «توزيع الأموال بمقدار هائل، خصوصاً في المناطق حيث الحاصل الانتخابي منخفض؟» وتالياً، هل يتمّ التحقُّق من هذا الاتّهام، أو هو ذهَبَ أدراج الرياح، كما كل الفضائح التي تُثار في لبنان وتنطفئ منذ سنوات طويلة؟ والأهم: هل الجهاز المعني بالأمر، أي هيئة الإشراف على الانتخابات، أخذ علماً بهذا الاتّهام بصفته إخباراً، وبدأ التحقيق فيه، كما في سواه؟
يقول طورسركيسيان إنّ «دور هيئة الإشراف، بهذه الطريقة، سيضع شكوكاً حول الانتخابات. وأطلب من الحكومة ووزير الداخلية وضع اليد على هذا الأمر». وسأل: «ماذا تفعل الهيئة؟ عليها النزول إلى الأرض. فلتنسّق مع الأجهزة الأمنية التي تعرف كل شيء، والتي نتَّكل عليها في الأمن، ولكن ينبغي أن لا تكون في الانتخابات مع لائحة ضد أخرى».
حتى اليوم، لم يسمع المواطنون أنّ هناك مخالفاتٍ جرى ضبطُها أو تتمّ متابعتُها، في مسألة الرشاوى الانتخابية وسواها، على رغم كلام طورسركيسيان وآخرين.
ففي مناطق عدّة، هناك أحاديث عن احتمال حصول عمليات شراء لـ«الصوت التفضيلي» خصوصاً. فالمعارك الحقيقية هي تلك التي ستدور بين المرشحين المتنافسين داخل اللائحة الواحدة، وغالباً تحت سقف الحزب الواحد.
كما يجري الحديث عن استغلال بعض السلطة للنفوذ في بعض الدوائر، وإجراء تعييينات ومناقلات في مواقع إدارية، دعماً لمرشحين معيّنين واستهدافاً لمرشحين أقوياء. والمتن أحد النماذج.
وهناك استغلال للدوائر الرسمية وبعض الأملاك العامة لإقامة اجتماعات لمرشحين أو تنظيم لقاءات شعبية لهم أو للاحتفال بإعلان اللوائح. وهذا ما يخالف القانون.
وأيضاً، ثمّة همسٌ حول قانونية الحملات الانتخابية والعدالة في الاستفادة من الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب. فليست واضحة، حتى اليوم، الحدود الفاصلة ما بين الحملات الانتخابية والتغطيات الإعلامية الاعتيادية.
القانون ينصّ على أن تتولّى هيئة الإشراف على الانتخابات مهمة ممارسة الرقابة على الإنفاق الإنتخابي، ومراقبة تقيّد المرشحين واللوائح الإنتخابية بالقوانين والأنظمة التي ترعى المنافسة الإنتخابية والإنفاق الانتخابي.
ويفرض القانون على كل مرشح ولائحة فتح حساب في مصرف عامل في لبنان، يُسمى «حساب الحملة الإنتخابية»، وأن يكون واضحاً اسمُ المفوض بتحريك الحساب المعتمد، وأن ينظّم المرشح إفادة لدى كاتب العدل بذلك. وهيئة الإشراف لها الحقّ في الاطّلاع على هذا الحساب الذي لا يخضع للسرّية المصرفية.
ولا يتم تسلّم أيّ مساهمة أو دفع أيّ نفقة إنتخابية إلّا عن طريق هذا الحساب حصراً، طوال فترة الحملة الإنتخابية. ولا يجوز قبض أو دفع أيِّ مبلغ يفوق المليون ليرة إلّا بموجب شيك. فهل يتمّ فعلاً التزام هذه الضوابط القانونية، وكيف يتمّ التحقق من ذلك؟
وتجنّباً لأيِّ أزمة يمكن أن تطرأ مع مرشح من «حزب الله»، في ضوء قانون العقوبات الأميركية على «الحزب»، جرت إضافة بندٍ في قانون الانتخاب جاء فيه: «عند تعذّر فتح حساب مصرفي وتحريكه لأيِّ مرشح أو لائحة لأسباب خارجة عن إرادة أيٍّ منهما، تودَع الأموال المخصّصة للحملة الإنتخابية للمرشح أو اللائحة في صندوق عام ينشأ لدى وزارة المال والذي يحلّ محلّ الحساب المصرفي في كل مندرجاته».
وحدَّد القانون سقف المبلغ الأقصى الذي يجوز لكل مرشّح إنفاقه أثناء فترة الحملة الإنتخابية، وهو: قسم ثابت مقطوع مقداره 150 مليون ليرة، يضاف إليه قسم متحرّك، وهو 5 آلاف ليرة عن كل ناخب في الدائرة الانتخابية الكبرى. كما أنّ سقف الإنفاق الانتخابي للائحة هو مبلغ ثابت مقطوع مقداره 150 مليون ليرة عن كل مرشح فيها. فمَن يضمن التزام هذه السقوف؟
القانون يمنح الهيئة حقّ المراقبة، لكنّ قراراتها خاضعة للاستئناف لدى مجلس شورى الدولة ضمن 3 أيام من تاريخ الإبلاغ أو النشر. ويُفترض أن يقوم المجلس بالبتّ فيها خلال 3 أيام بعد المراجعة. وللقضاء الجزائي الحقّ في ملاحقة الجرائم الانتخابية. كذلك يحقّ للمجلس الدستوري أن يقوم بإبطال انتخاب أيِّ نائب إذا أثبت أنّ هناك مخالفات في عملية انتخابه.
وخلال الأيام الـ10 السابقة ليوم الانتخاب، وحتى إقفال صناديق الاقتراع كافة، يحظَّر نشرُ أو بثّ أو توزيع أيّ من استطلاعات الرأي والتعليقات عليها. وتتحقّق الهيئة من التزام وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب في لبنان بالأحكام المتعلقة بالدعاية الانتخابية المنصوص عليها.
وعلى الهيئة تقدير ما إذا كان يقتضي احتساب ظهور المرشّحين في وسائل الإعلام الفضائية غير اللبنانية ضمن المساحات الإعلانية أو الإعلامية المخصّصة لكل لائحة أو مرشح، كما يعود لها تحديد مدى هذا الاحتساب.
وتتولّى الهيئة التحقيق الفوري في أيِّ شكوى تتقدم بها اللائحة المتضررة أو المرشح المتضرر، وعليها أن تتّخذ قرارَها في شأن الإحالة إلى محكمة المطبوعات المختصّة خلال 24 ساعة من تاريخ تقديمها.
كل هذه الضوابط موجودة في القانون، ولكن لا شيءَ مضموناً على أرض الواقع. وفيما الجميع غارق في حسابات التحالف وتركيب اللوائح، لا شيء يمنع تصاعد الأصوات القلقة من تجاوز قانون الانتخاب.
فهل يتمّ احترامُ المعايير القانونية في التحضير للانتخابات؟ أم أنّ هناك تواطؤاً غير معلن بين قوى السلطة على استخدامٍ متبادل للنفوذ في المعركة، على طريقة «مرِّقلي تَ مرِّقلك»؟
الأمور مرهونة بدينامية هيئة الإشراف التي مضى على تأليفها 6 أشهر، ودورها الحيوي، لتأتي الانتخابات نزيهة، وعلى الأقل، لتخفِّف من مساوئ القانون النسبي- التفضيلي «المبندق» وتناقضاته وثغراته المقصودة أو غير المقصودة.
فهل تثبت الهيئة أنها في حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها أم تترك «المياه لتجري تحت أقدامها»، وتترك للسلطة وأهلها أن «يفتكوا» بالناس ويصادروا أصواتهم ترغيباً وترهيباً؟