Site icon IMLebanon

جُرعة دعم للحريري والحكومة إلى المربّع الأول؟!

 

 

في مقال سابق بعنوان «الحريري امام خياريْن احلاهما مُرّ!» كتبنا أن الرئيس سعد الحريري بدخوله لعبة التسميات قد وضع نفسه بين مطرقة السيّر في تسمية الخطيب والمشاركة في حكومة كاد أن ينضجها جبران باسيل، فيؤخذ على الحريري تهشيم اتفاق الطائف وتهميش موقع رئاسة الحكومة؛ وبين سندان التراجع عن دعمه للخطيب فيُتّهم بعدم المصداقيّة كونه يتمنّع عن التكليف وهو راغب فيه، لكنه مُقيّد باعتبارات ما.

 

وفيما كانت «المشاورات» التي حصلت قبل الاستشارات النيابيّة المُلزمة تشير الى إمكانية إيصال سمير الخطيب الى السراي، «احيلت اوراق الخطيب الى سماحة المفتي» الذي أبلغ الخطيب بموقف دار الفتوى الداعم للحريري.

 

المفتي يُسمّي الحريري

 

حمل تأجيل موعد الاستشارات النيابية الملزمة من الأربعاء الواقع فيه ٤ كانون الأوّل حتى يوم الإثنين الواقع فيه ٩ كانون الأوّل في ثناياه قطبة مخفيّة، ذلك أن هذا الفاصل الزمني افسح المجال أمام مناورة خاضها الحريري بإتقان في السياسة والشارع، فتوالت «الفيتوات» على سمير الخطيب، الى أن جاءت خشبة الخلاص من دار الفتوى التي أبلغت «المرشّح السابق» لرئاسة الحكومة ان سماحة مفتي الجمهورية، الداعم للرئيس سعد للحريري، أجرى اتصالات وتشاورات ولقاءات مع أبناء الطائفة الإسلامية تم التوافق بموجبها على تسمية الحريري لتشكيل الحكومة المُقبلة.

 

بهذا أسدل الستار على ترشيح الخطيب، وتم تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة الى يوم الاثنين المقبل إفساحا للمجال امام المزيد من المشاورات بين الكتل النيابية ومع الشخصيات المحتمل تكليفها من اجل البحث عن «المرشّح المُحتمل».

 

الردود على دار الإفتاء

 

رأى البعض أن دار الفتوى لعبت دوراً مهماً في ضبط الإيقاع الحكومي والوقوف في وجه المُخالفات الدستوريّة، وأن ما جرى في دار الفتوى يعكس توافقاً بين أبناء الطائفة بعد مشاورات قام بها المفتي دريان.

 

ومن جهة ثانيّة، هناك من يرى ان على المفتي يكون على مسافة واحدة من جميع أبناء الطائفة دون تفرقة وتمييز بينهم. وان مهام دار الفتوى تقتصر على إدارة شؤون الطائفة وتنظيمها، وليس من بينها حسم اسم الرئيس المكلّف والالتفاف على صلاحيات تسميته من النواب كافة على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم.

 

وامّام ما حصل، أبدت اوساط بعبدا انزعاجها واستغرابها لتطوّر الأمور نحو هذا الاتجاه، وكونها اصطدمت بالجدار المذهبي الذي وضع الجميع أمام أمر واقع وهو حصر الترشيحات بالحريري، ما استدعى منها تأجيل الاستشارات النيابية.

 

الشارع يرفُض

 

بعد حرق ورقة الخطيب عاد الشأن الحكومي الى نقطة الصفر مع تعويم تكليف الحريري من خلال دار الفتوى. فبعد أن أقدم على الاستقالة إرضاءً للتحرك الشعبي في الساحات في كل المناطق، ومطلبه استقالة الحكومة، واسقاط النظام الطائفي الفاسد، عاد الحريري ودخل في اللعبة السياسيّة عينها وأعلن دعم ترشيح سمير الخطيب، الذي سرعان ما خرجت احتجاجات رافضة لـ«صفقة» تكليفه، وبالأمس اُسقط في بيت الوسط.

 

كما ظهرت موجة من الغضب الشعبي تطالب بتسمية شخص خارج النظام السياسي الحاكم ورفض عودة الحريري، وذلك يُنذر باحتمال وقوع صدام بين الشارع المنتفض وجمهور الحريري إذا تمّ تكليف الأخير تأليف الحكومة المقبلة. حينها سيكون هناك دعوى الى التظاهر في الشارع ضدّ التسمية انسجاماً مع شعار «كلن يعني كلن»، وإذا تحرّك الشارع ضدّ تسمية الحريري، هناك احتمال أن يتم تحريك جمهور الحريري في العاصمة والشمال والبقاع وإقليم الخروب، فتشهد الساحة صداماً بين شارعين تعايشا على حذر منذ اليوم الأول لبدء الحراك، ثم افترقا بعدما انتهى موسم الاستثمار المتبادل.

 

الازمة مستمرّة

 

إنّ ازمة لبنان باتت مستعصية مع استمرار أهل السلطة السياسية بالتعاطي مع قواعد التكليف والتأليف بمكابرة واستخفاف وكأن الوضع الراهن هو وضع عادي وطبيعي.

 

كما انّه بات واضحاً أن ثمة معادلة وحيدة لم تسقط منذ استقالة الحريري وهي «سعد الحريري أو لا أحد»، ومن يجرؤ على كسر القاعدة سيجد شارعاً مذهبياً في انتظاره تمهيداً لإحراقه سياسيّاً. وبالتالي بات من الصعب تسمية أي شخصية سنّية أخرى في ظل غطاء دار الفتوى المتوفر للحريري والذي لن يستطيع أحد خرقه أو الخروج من تحت مظلته في الوقت الراهن، ما سيمنح الحريري مزيداً من القدرة على فرض شروطه، على وقع وطأة الشارع الذي من المتوقّع أن يشهد تصعيداً خلال الاسبوع الحالي.

 

ولكن يبقى ان يصدر الحريري قراره امّا في الاعتذار عن التكليف وربما تسمية البديل ايضاً، او المضي به بحسب شروطٍ يرتضيها.

 

في جميع الأحوال ثمة خاسران من كل ما يحصل اليوم، الأول هو الشعب اللبناني الذي يواجه الأزمات المتلاحقة وغلاء المعيشة وارتفاع نسبة البطالة والفقر والجوع.  والثاني هو الدستور اللبناني الذي يتعرض لشتى أنواع التمزيق والالتفاف والخروق، سواء في اعتماد هرطقة «التأليف قبل التكليف»، أو في خُطوة تسمية الحريري، التي صادرت دور النواب الذين يعود إليهم تسمية الرئيس المكلف لتشكيل حكومة كل لبنان.

 

الايام المقبلة كفيلة بتوضيح المشهديّة الضبابيّة الحاليّة، فإما الى المزيد من التعقيد، واما العمل على امداد انابيب الاوكسجين لإنعاش لبنان وإخراجه من غرفة العناية الفائقة.