لم يحمل البيان الصادر عن مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، والتي اجتمعت في الامم المتحدة على هامش اعمال الجمعية العمومية، جديداً في سياق الموقف الدولي من لبنان. الازمة الداخلية هي نفسها وكذلك المواقف الدولية، من دون أي تعديل يذكر في بيان يفتقر الى ضغط الالزام أو الى دينامية التطوير. لن يتوقف الزعماء اللبنانيون على الارجح عند مضمون البيان، اللهم باستثناء محاولة استفادة البعض من دعمه للحوار الذي تلقى دفعاً في هذا الاطار من ضمن محاولة العمل على تذليل الخلافات بين الزعماء اللبنانيين وضرورة تثميره. الآن واكثر من أي وقت مضى، باتت انظار هؤلاء متجهة، كما اهتمام الخارج الدولي والاقليمي، الى ما يجري في سوريا والتوقعات المتزايدة حول مآله، في ضوء العامل العسكري الروسي الذي دخل على خط المشاركة المباشرة في الحرب الداخلية. ولبنان الجار الاقرب هو اكثر من يعتبر نفسه معنياً بما يجري، نظراً الى الانعكاسات المحتملة بما يحد الى درجة كبيرة من فاعلية أي دعوات دولية، مهما كانت، لأن ثمة متغيرات مرتقبة من غير المتوقع الا يتأثر بها الوضع في لبنان. وقد بدأت سريعاً الرهانات الكبيرة على هذه المتغيرات والضغوط النفسية، في السعي الى توظيفها على المدى القريب.
هل يمكن أن يعتبر بيان مجموعة الدعم استكمالاً للضمانات للبنان، إزاء أي محاولة انزلاق طوعية أو قسرية استتباعاً لما يجري في سوريا في الاسابيع الاخيرة؟ حتى الآن كان الموقف الدولي على هذا النحو. وتأكد أن لا تفكير في لبنان بالاستناد الى التطورات في سوريا، بل ثمة سعي الى تجميد الوضع كما هو، ليس إلا، لأن الوقت الراهن ليس متاحاً للاهتمام به. فاللقاءات التي عقدها رئيس الحكومة تمام سلام مدى أيام في نيويورك مع بعض الزعماء وممثلي دول هذه المجموعة أظهرت عدم وجود لبنان على جدول اعمالهم في ظل توجه الانظار أكثر فأكثر نحو الحرب السورية والصراع الذي اتخذ ابعاداً جديدة في ضوء المواقف المعلنة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي عزز وجود قواته العسكرية في سوريا ومن الرئيس الاميركي باراك أوباما وسائر الافرقاء الاخرين، مما ساهم وفق مصادر ديبلوماسية في تفريغ البيان على نحو مسبق من أي قوة معنوية فعلية. فالتكرار المعتمد في سائر بيانات المجموعة حول الشأن الداخلي من دون أي تغيير يذكر، يظهر في مكان ما أنه ما دام الزعماء اللبنانيون يراوحون في ادائهم في سياق الوضع الراهن، والازمة السورية على حالها لجهة التداعيات نفسها على لبنان، فإن العناوين الداعمة من الخارج ستبقى هي نفسها حول ضرورة ملء الفراغ الرئاسي واحترام الدستور ودعم الحوار من أجل المحافظة على الاستقرار.
لكن قد يكفي لبنان على الاقل، في ظل ما تذهب اليه المنطقة، ان الاجماع الدولي حوله لا يزال قائماً من حيث المبدأ، ولم يتغير، في دلالة على أن أحداً لا يرغب في تغيير الوضع فيه في ظل عنوان اساسي هو المحافظة على الاستقرار ودعم الجيش ومساعدة لبنان على مواجهة تداعيات اللجوء السوري، على رغم الخلافات المستعرة اكثر فاكثر والمزيد من العسكرة وتدويل الحرب السورية، وتالياً ينطوي ذلك على حض الافرقاء فيه على عدم تغيير الستاتيكو الحالي، اللهم باستثناء دفعهم الى الذهاب نحو انتخاب رئيس جديد.
وفي حين طالبت الدول المشاركة في المجموعة الزعماء اللبنانيين بتحمل مسؤولياتهم في ملء الشغور الرئاسي والحفاظ على المؤسسات، ينتظر هؤلاء الزعماء تدخلاً خارجياً يحسم خلافاتهم حول الرئاسة اللبنانية أو الخلافات الدولية حول هذه الرئاسة. أي أن كلاً من الفريقين ينتظر الآخر في ظل عجز الزعماء اللبنانيين عن القيام بذلك، وعدم رغبة الافرقاء الخارجيين في بذل أي جهد من أجل حل المسألة التي يفترض أنها ترتب أثماناً سياسية لا يبدو أن أحداً مستعد لدفعها في ظل بازار يتم الاستعداد له في المنطقة انطلاقاً من سوريا.
في المقابل، هناك من يعتبر أن الموقف الدولي المعبر عنه يعطي جرعة دعم معنوية نسبياً لوضع يشهد اضطراباً سياسياً كبيراً، على وقع الخلافات السياسية المستمرة، كما يعطي الحكومة ورئيسها دفعا. لكنه يفترض أيضاً أن على الزعماء في لبنان تسوية خلافاتهم تحت السقف المطلوب الحفاظ عليه لعدم الاخلال بالوضع، أي بمعنى اللعب سياسياً من ضمن الاطار المرسوم وعدم الخروج عليه، مع احترام الدستور واتفاق الطائف والحوار. فهذه قد تكون مجرد عبارات ترد في كل بيان دولي عن لبنان، اضافة الى “اعلان بعبدا” الذي كان نسفه “حزب الله” بمشاركته في الحرب السورية واطاحة سياسة النأي بالنفس، الا أنها تعبر في الوقت نفسه عن أن هذا هو السقف الذي يتم فيه التعامل مع الوضع اللبناني حتى إشعار آخر.
والواقع أن المجموعة الدولية أمنت منذ انطلاقها قبل ثلاث سنوات أمرين في غاية الاهمية يظللان لبنان حالياً: أحدهما هو ما يسميه البعض المظلة الدولية التي تحمي استقرار لبنان وتحول دون انهياره أياً تكن التحديات التي واجهته بعد انطلاق الحرب السورية وبدء تداعياتها الكارثية على لبنان، وهي نشأت في الاصل على هذه الخلفية. والامر الآخر هو الدعم المادي والمعنوي للجيش اللبناني، والذي يتكرر في كل بيانات المجموعة، مع تشديد البعض، كما في حال ممثل الجانب الاميركي، على هذه النقطة بالذات، والرغبة في المزيد من تعزيز قدرات الجيش الذي هو جزء من المظلة الحامية للبنان.