في غياب اي افق لتحرك داخلي من فريق في اتجاه الآخر، أو لاي استعداد للتلاقي في منتصف الطريق في موضوع رئاسة الجمهورية، ثمة تحرك استأنفه الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة ديريك بلامبلي في اتجاه العمل على تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية من خلال زيارة طهران ولقائه مسؤولين فيها على اثر زيارة قام بها للمملكة العربية السعودية وتحرك الامور في اتجاه زيارة احد الديبلوماسيين الايرانيين للمملكة. وليس واضحا ما اذا كان ممكنا البناء على التلاقي الاقليمي في شأن العراق من أجل توظيف ايجابياته في لبنان، لكن بلامبلي المدفوع في شكل اساسي بالنجاح الذي حققته وساطته على الخط الاقليمي، بما ساعد في ولادة حكومة الرئيس تمام سلام الحالية، تعول مصادر سياسية على استكشافه افق التطورات وامكان توظيفها في حلحلة موضوع الرئاسة في لبنان على خلفية مجموعة تطورات، لعل أهمها ان تحركه الاستطلاعي للمواقف الاقليمية ومدى تطورها يأتي عشية اجتماعات مهمة ستعقد على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك التي تبدأ في 23 ايلول. اذ ان بعض العقبات قد يكون متاحا تذليلها في لقاءات على مستويات عالية اذا كان ثمة قاعدة يمكن البناء عليها للدفع بها قدما وخصوصاً أن غياب رئاسة الجمهورية اللبنانية عن اجتماعات نيويورك ولا سيما الاجتماع المخصص لدعم لبنان الذي يعقد في 27 من الجاري سيكون معبرا عن نفسه. وبدلا من ان ينصب الجهد على عناصر دعم لبنان كما حصل في الاجتماع الاول قبل سنة، أي على دعم الجيش والاقتصاد وسياسة النأي بالنفس، باتت الاولوية لانتخاب رئيس للجمهورية يساهم في اتاحة الثقة من اجل تقديم الدعم للعناصر الاخرى بما فيها الجيش اللبناني. وثمة حاجة الى التحضير لتوجيه رسالة قوية بهذا المعنى من مجموعة الدعم الدولية، المتفقة مبدئيا على دعم لبنان والمختلفة على مسائل اخرى على امتداد المنطقة واوروبا، وذلك من اجل تأكيد وجود موقف موحد يزخّم خيار اعادة بناء المؤسسات وتقويتها، وخصوصاً على عتبة احتمالات قد تطيح مجلس النواب ايضاً، ولو ان ثمة اطمئناناً الى التمديد للمجلس على رغم كل المواقف التهويلية.
يضاف الى ذلك ان تطورات ملحة وخطيرة حصلت اخيرا في لبنان، وربما تكون حافزا كما التطورات الدرامية التي ادت الى التنازل واتاحة المجال امام تخفيف الشروط من اجل تأليف الحكومة. وقد عبر لبنان قطوعا حقيقيا على اثر قتل “داعش” العسكري عباس مدلج واستعادة مظهر من مظاهر الحرب الاهلية تمثل في الخطف على الهوية، والذي كان نذيرا خطيرا بأن لبنان ربما تخطى حافة الهاوية وبدأ مسيرة الانزلاق الى متاهاتها. وشكلت المسارعة الى استدراك الانجرار الى هذه المسيرة مؤشرات طمأنة الى استمرار وجود ارادة لدى الافرقاء الاساسيين، اي الطرفين السني والشيعي في البلد بعدم الذهاب الى حرب داخلية، كما الى استمرار وجود رغبة اقليمية في عدم امتداد ساحة القتال المذهبية في المنطقة الى لبنان على رغم التوتر الشديد الذي يسود لبنان. الا ان البلد قد لا يكون قادرا على المحافظة على حصانته الامنية مع تطور درامي آخر، وخصوصا في ظل احتمال حصول استهدافات جديدة للعسكريين او اي حادث خطير مماثل، فضلا عن الثقة بان احداث عرسال قد لا تكون وصلت عند الحد الذي انتهت اليه. وهناك مواقف جديدة في هذا الاطار عبّر عنها ممثلون للبعثات الديبلوماسية الكبرى في لبنان لجهة تأكيد الحاجة الماسة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، كجزء اساسي من الجهد الذي ينبغي ان يبذل لحماية أمنه واستقراره.
وثمة من يضيف الى الاحتمالات المفتوحة على مخاطر متجددة، التداعيات التي سيحتمها التحالف الدولي الاقليمي الذي ينشأ على خلفية مواجهة توسع تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش) وما يمكن ان يرتبه ذلك على لبنان، اما في ضوء احتمال لجوء المزيد من عناصر التنظيم الى لبنان، واما مواجهة ازمة نزوح اضافية نتيجة المخاوف من استهداف مناطق سيطرته.
ويقول بعض المصادر ان هناك مناخاً ومؤشرات توحي امكان التوافق على شخصيات محتملة ومقبولة للرئاسة الاولى، بعيداً مما هو متداول. لكن ثمة عقبات جوهرية لا تزال قائمة وتحتاج الى تذليل