دخلت مسألة رفع الدعم عن السلع الأساسية من محروقات ودواء وغذاء مرحلة العدّ العكسي بانتظار إنهاء حكومة تصريف الأعمال مشروع قانون البطاقة التمويلية الذي ستتم إحالته إلى مجلس النواب الأسبوع الجاري. وتعمل اللجنة المكلّفة رفع الدعم على وضع اللمسات الأخيرة على المشروع الذي ستستفيد منه 750 ألف عائلة بمبلغ مليون و330 ألف ليرة شهرياً. لكن السيناريو المتوقّع لما بعد تحرير الأسعار، يبشّر بغلاء فاحش سيتسبّب بتهاوي قيمة البطاقة وخفض قدرتها الشرائية. من جهة أخرى، قرّرت الحكومة الإبقاء على دعم جزئي للمواد بكلفة تصل إلى مليارين ونصف مليار دولار، ما يعني أن نظرية عدم المسّ بالتوظيفات الإلزامية في مصرف لبنان أو بشكل أوضح ما تبقى من الودائع، لم تكن سوى «كذبة» أخرى استخدمها حاكم المصرف في إطار معاركه الشخصية والسياسية والقضائية
زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الدوحة بغرض تأمين التمويل لبطاقات الدعم النقدي للأسر لم تلاقِ حتى الساعة، سوى الوعود. فقطر، على ما تقول المصادر، بشّرت دياب بالخير لكنها لن توفّر مساعدة لحكومة مستقيلة تدرك مسبقاً أنه يمكن أن ترحل في أي وقت. يضاف إلى ذلك الحصار السعودي المستجدّ على لبنان، ومدى قدرة الدوحة التي تعمل على رأب علاقتها مع الرياض، على التغريد خارج السرب الخليجي تحت عنوان «الأمن القومي». لذلك لم يبقَ أمام دياب إلا طرق باب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مجدداً. الأخير كان قد أبلغ الحكومة عدم قدرته على الاستمرار بتأمين الدعم نتيجة نفاد الاحتياطي، وعدم رغبته بتحمّل مسؤولية استبدال دعم السلع الأساسية (الدواء، الخبز، المحروقات، الغذاء) ببطاقات مالية يموّلها من الاحتياطي نفسه، رافضاً «هدر» ودائع الناس التي ينفذ عليها «هيركات» بما يتعدى الـ85% فيما الجزء الباقي تبخّر. من هذا المنطلق، يبدو الحلّ الأنسب للحكومة والأكثر قبولاً لدى الحاكم هو بتمويل البطاقة عبر طبع المزيد من الليرة أي ما يعادل 9 آلاف مليار ليرة سنوياً. أما السيناريو الذي ستسير خطة الدعم وفقه، فسبق للجنة الحكومية المكلّفة رفع الدعم أن أعدّته، لكنها أعادت سحبه منذ أيام لإضافة بعض التعديلات عليه قبل إرساله هذا الأسبوع كمشروع قانون إلى مجلس النواب. كان دياب رافضاً لهذه المسألة بحجة عدم جوازها في ظل تصريف الأعمال، لكن مع الضغط المتزايد عليه ونتيجة إبلاغ سلامة لكلّ المسؤولين نيته وقف الدعم، اتفق دياب مع رئيس الجمهورية ميشال عون على إرسال مشروع القانون بموجب موافقة استثنائية كما حصل مع قرض البنك الدولي. وتشير مصادر مطلعة إلى أن ذلك يجري بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ثمة سؤال رئيسي هنا: ما الذي دفع دياب إلى السير بمشروع قانون بطاقات التمويل، فيما كان يعارض اتّخاذ قرار مصيريّ مماثل في الأشهر السابقة رغم ضغط بري عليه؟ وكيف سيعمد إلى إرسال المشروع من دون عقد اجتماع وزاري لاستطلاع آراء كل الوزراء وحاجات وزاراتهم؟ على أن هناك من يتوقع أن يؤدي إقرار القانون، إن حصل، إلى تسهيل تأليف حكومة جديدة طالما أن المهمة الصعبة التي يتجنّب رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري القيام بها قد أخذها دياب على عاتق حكومته.
وفق المشاورات الحكومية الأخيرة، علمت «الأخبار» أنه تم التوافق على أن تكون قيمة البطاقة التمويلية مليوناً و330 ألف ليرة لبنانية شهرياً لكل عائلة، على أن تتم تغطية نحو 750 ألف عائلة موزّعة كالتالي:
– 215 ألف عائلة مشمولة ببرنامج شبكة الأمان المموّل من قرض البنك الدولي بقيمة 264 مليون دولار. بمعنى أن هذه الأسر التي سيوزّع عليها ما يقرب من 900 ألف ليرة شهرياً، ستتقاضى باقي المبلغ من الدولة اللبنانية أي ما يعادل نحو 430 ألف ليرة لبنانية ليتساوى دعمها مع باقي الأسر.
– 60 ألف عائلة من ضمن العائلات المصنّفة ضمن خانة «الأكثر فقراً» لدى وزارة الشؤون الاجتماعية.
– 475 ألف أسرة من ضمنها 300 ألف أسرة تستفيد اليوم من مبلغ 400 ألف ليرة شهرياً يوزعها الجيش. ما سيحصل هنا هو الاستغناء عن الـ400 ألف مقابل استفادتها من مليون و330 ألف ليرة.
حصلت نقاشات عديدة في الاجتماعات حول آلية تعبئة الاستمارات، وعمّا إذا كان المصنّفون في خانة المستفيدين من البطاقة سيعمدون جميعاً إلى تقديم طلبات للحصول عليها. أحد الاقتراحات تمحور حول إجراء إحصاء لغير المستحقّ، طالما أن مجموع العائلات اللبنانية يبلغ نحو مليون و150 ألف عائلة. لكن لغاية الآن لم يتم حسم المسألة، وثمة من يتحدث عن تخبّط في الأرقام. أما الدفع، فسيكون عن طريق «الكاش» عبر المصارف.
سعر صفيحة البنزين بعد رفع الدعم سيبلغ 125 ألف ليرة لبنانية على الأقل
يتوقع المشاركون في إعداد البطاقة أن يبلغ «الوفر» المحقّق أكثر من مليارين ونصف المليار دولار. فقيمة الدعم التي يدفعها المصرف المركزي سنوياً من الاحتياطي تبلغ نحو 5 مليارات دولار ستنخفض تلقائياً إلى مليارين ونصف مليار دولار مع «ترشيد الدعم» على البنزين والمازوت والغاز والأدوية والسلة الغذائية. وتقول المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» إنه سيجري تخفيض دعم المحروقات والأدوية والسلة مقابل زيادة الدعم على القمح للإبقاء على سعر ربطة الخبز كما هو. أما بالنسبة إلى صفيحة البنزين، فإن قيمتها الفعلية اليوم من دون دعم، 140 ألف ليرة لبنانية، لكنها متوفرة في السوق بقيمة 40 ألفاً بسبب دعمها. بعد إقرار البطاقات التمويلية، يتوقع المعنيّون أن يصل ثمنها إلى 125 ألف ليرة في السوق، بعد الإبقاء على دعم يناهز 15% فقط. ما يعني أيضاً أن فاتورة المولّدات سترتفع مع «ترشيد الدعم» على المازوت، ويُقاس على النحو ذاته ارتفاع الأسعار الجنوني الذي سينتج عن تحرير الأسعار، خصوصاً أن المافيا الاحتكارية ستكون جاهزة لاغتنام هذه المناسبة. الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول ما إذا كانت الحكومة قد أجرت دراسة مفصّلة عن سيناريو ما بعد رفع الدعم وعمّا إذا كان مبلغ المليون و330 ألف ليرة كافياً لسدّ حاجات الناس في ظلّ ما سيحصل من تضخم نتيجة طبع الأوراق النقدية ومن جنون في أسعار المواد كافة. يُضاف إلى ما سبق ان سعر الدولار مرشّح للارتفاع بعد رفع الدعم، لأن التجار سيلجأون إلى شراء المزيد من الدولارات من السوق، ما يعني ارتفاعاً إضافياً للأسعار.
يؤكد مدير مؤسسة البحوث والاستشارات الخبير الاقتصادي كمال حمدان في حديثه إلى «الأخبار» أن «قيمة البطاقة التمويلية المقترحة لا تشكل أكثر من 15% من قيمة الخسارة التي تعرّضت لها القوة الشرائية للأجر الوسطي منذ تشرين الأول 2019. وقيمة هذه البطاقة على ضآلتها مقارنة بحجم الخسارة الفعلية، هي بذاتها معرّضة للانخفاض إذا ما أدى نمط تمويل البطاقة – المستند أساساً إلى طبع النقود – إلى فلتان أسعار الدولار وبالتالي مؤشر أسعار الاستهلاك».
يحصل ذلك كله من دون إيضاح الحكومة كيفية توفير مليارين ونصف مليار دولار للإبقاء على دعم جزئي للسلع الأساسية في ظل إعلان حاكم مصرف لبنان قرب نفاد الاحتياطي ونيته وقف الدعم مع رفضه المسّ بالاحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية البالغة قيمتها 15 مليار دولار. وبالتالي، من أين سيجري تمويل هذا الإنفاق الذي يقرب من مليارين ونصف مليار دولار سنوياً؟ فإن كان الجواب المفترَض أنه سيتم توفيره من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، وهو ما تشير إليه مصادر حكومية، فهذا يعني أن تهديد الحاكم بوقف الدعم يخضع لاعتبارات شخصية وسياسية وقضائية ولم يكن يتعلق يوماً بالحفاظ على الودائع التي أخضعها لهيركات لامس 85% من قيمتها الحقيقية.