تأييد «القوات» لترشيح عون خطوة مهمّة ولكنها ليست كافية لإيصاله إلى كرسي الرئاسة
رسم خريطة جديدة للتحالفات السياسية وزيادة التعقيدات أمام الإستحقاق الرئاسي
وجهة نظر المراقبين أن اتفاق «القوات» و«العونيين» على ترشيح عون لن يكون كافياً لوحده لتذليل الصعاب التي تعترض وصوله للرئاسة الأولى
بعد إعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع تأييده لترشيح رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، هل يمكن القول أن آخر العقبات أمام انتخاب الرئيس العتيد قد ذللت وأنه أصبح بالإمكان التفاؤل بقرب إنجاز الاستحقاق الرئاسي أو أن هذه الخطوة ستزيد من حدة التجاذب السياسي حول الانتخابات الرئاسية؟.
لا يمكن لأحد من المراقبين السياسيين إعطاء جواب قاطع حول هذا الموضوع في الوقت الحاضر، إلا أن معظمهم يعترف بأن الاتفاق الحاصل بين «القوات» و«العونيين» مهم على الصعيد السياسي كونه أنهى مرحلة من الخلاف حول التنافس الحاد والخصام بين الطرفين لا سيما على مسألة الترشح للرئاسة وإن كان ظاهراً للعيان أنه جاء كردة فعل لقطع الطريق على انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية إستناداً لمبادرة ترشيحه التي أعلنت قبل أسابيع من نهاية العام الماضي بالرغم من محاولة جعجع إنكار ذلك لدى تبريره إعلان تأييد ترشيح عون للرئاسة يوم أمس.
ومن وجهة نظر هؤلاء المراقبين أن اتفاق «القوات» و«العونيين» على ترشيح جعجع لن يكون كافياً لوحده لتذليل الصعاب التي تعترض وصول عون للرئاسة الأولى، بل يُشكّل خطوة مهمة لأن مسألة الاستحقاق الرئاسي كما هو معروف تخضع لجملة عوامل إقليمية وتوازنات لا يمكن أن تختصر باتفاق طرفين مسيحيين لوحدهما بمعزل عن الأطراف المسيحية الأخرى وعن باقي الأطراف الإسلامية على حدٍّ سواء، ولا بدّ من توفير مستلزمات هذه التفاهمات والتوازنات ولو بالحد المقبول لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وإلا سيبقى مفعول الاتفاق المنجز بين الطرفين محدود الفاعلية وغير قابل للتنفيذ الفعلي على الأرض في حال بقيت الأمور السائدة على حالها في الوقت الحاضر واستمرت كل الأطراف السياسية متمسكة بمواقفها ومرشحيها كما كانت الأمور من قبل.
وفي اعتقاد هؤلاء المراقبين فإنه ليس من الضروري أن يؤدي الاتفاق بين «القوات» و«العونيين» إلى تسهيل انتخاب عون للرئاسة كما تروج بعض أوساط الطرفين لذلك، بل على عكس ذلك تماماً فإن ما حصل أدى إلى رسم خريطة تحالفات سياسية جديدة وأعاد خلط الأوراق بالداخل اللبناني وهذا من شأنه زيادة التعقيدات في انتخاب الرئاسة بدلاً من تسهيل إجرائها مع استمرار أطراف وشخصيات حزبية إسلامية ومسيحية وازنة ومؤثرة في رفض وصول عون لمنصب الرئاسة الأولى وتمسكهم بانتخاب النائب سليمان فرنجية للرئاسة بموجب المبادرة التي طرحت مؤخراً.
وهكذا أصبح هناك مرشحان للرئاسة، النائب ميشال عون مدعوماً ظاهرياً من «حزب الله» و«القوات اللبنانية» والنائب سليمان فرنجية مدعوماً من باقي الأطراف الأخرى والشخصيات المسيحية المعترضة على انتخاب عون للرئاسة منذ البداية.
ولذلك من المستبعد إزاء الواقع الانقسامي الحاصل حدوث أي تقدّم في مسألة الانتخابات الرئاسية بالرغم من اتفاق «القوات» مع «العونيين» في هذه المسألة، بل يرجح معظم المراقبين أن تبقى الأمور تدور بالدائرة المفرغة نفسها إذا لم تنجح الاتصالات والمشاورات الجارية محلياً وإقليمياً في إقناع أي من المرشحين المطروحين للرئاسة حالياً من الانسحاب لصالح المرشح الآخر وهذا مستبعد في الوقت الحاضر مع تشبث كل مرشّح بموقفه وعدم استعداده للانسحاب لأنه يعتقد أنه الأولى بهذا المنصب دون غيره.
ومن وجهة نظر هؤلاء المراقبين فإنه لا يبدو أن مسألة إنجاز الاستحقاق الرئاسي قد دقت بعد محلياً وإقليمياً على حدٍّ سواء، بل أن الأمور ستبقى في دائرة المراوحة بالرغم من كل محاولات بعض الأطراف المحلية تحريكها لصالح إنجاز الانتخابات الرئاسية وإخراج البلد من دائرة المراوحة المؤذية ريثما تتظهر صورة المقايضات أو مشاريع الحلول للأزمة السورية على الأقل، وهذا يتطلب انتظار بعض الوقت بفعل ارتباط مواقف بعض الأطراف المحلية وتحديداً «حزب الله» بما ستؤول إليه مراكز النفوذ الإيرانية بالتسوية السورية والمصالح التي تتحقق جرَّاءها، وإلا لكانت جرت الانتخابات الرئاسية عندما يتم الإعلان عن ترشيح النائب فرنجية في مقابلته التلفزيونية الأخيرة.
ويخلص هؤلاء المراقبون إلى أن اتفاق «القوات» و«العونيين» وإن أبقى مسألة الاستحقاق الرئاسي في دائرة الاهتمامات المطروحة، إلا أن معرفة نتائجه ومفاعيله لا بدّ وأنها تنتظر رصد وترقب الأطراف السياسية الأساسية المؤثرة في اللعبة السياسية بالداخل ولو بجانب كبير منها وكيفية التعاطي مع ما حصل وهذا يتطلب بالطبع بعض الوقت، في حين تظهر معظم المؤشرات وخصوصاً الإقليمية منها أن لبنان يمر حالياً بمرحلة جديدة من الانتظار ريثما تخف مفاعيل الاشتباك السياسي بين الرياض وطهران، وهذا مؤشر إضافي إلى أن ما يحصل قد لا يتعدى اللعب بالوقت الضائع، في حين أن اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي لم يحن بعد.