ماذا عدا مما بدا حتى يستيقظ آباء الأزمة على أهمية العودة الى طاولة الحوار؟ لا “أئمة” الجدل البيزنطي في “حق ميشال عون الإلهي” في الرئاسة آمنوا أخيراً بأنهم أعجز من أن يجبروا خصومهم على التسليم بذلك، ولا هؤلاء أبدوا مؤشراً الى تراجعهم؟
المتغير الوحيد هو اللبنانيون أنفسهم، إذ أخرجوا غضبهم من بين جدران أجسادهم، وارتفعوا فوق الهويات التفتيتية، الى الهوية الوطنية الجامعة، وفي ذلك تعارض مع من يرى في المواطن أداة ارتقاء وسيطرة، يُحرَك، ضمن “قطيع”، لتحقيق أهداف تخدم السياسة بمعناها الأخس.
الدعوة الى الحوار هي إعلان إفلاس محاولات رتق فتق الأزمة، بالحكومة المشلولة، والطاولات الثنائية، وصولاً الى زجل السياسيين، عبر شبكات التواصل الإجتماعي. لكن هذا الإفلاس أتاح سير الحياة السياسية بقوة الاستخفاف بالرأي العام، وغياب أي رد فعل منه، إلى أن تحرك “المجتمع المدني”، وتغلب على محاولات جر اعتراضاته إلى ما ليس في حسبانه، عن طريق المندسين، المرتبطين، وإن من دون معرفتهم، بحسابات سياسية، تريد إغراق الحياة العامة في العناوين المطاطة، من نمط “المشاركة الحقيقية”، أو في الفوضوية كـ”انتخاب الرئيس من الشعب”.
“إن بعض الظن من حسن الفطن”. ومنه أن الرئيس بري لم يكن ليدعو إلى طاولة حوار جديدة، لو لم يستبق ذلك بجس نبض، ليس محلياً فحسب، بل إقليمي ودولي.أما لائحة المدعوين، فهي تحدد، عمليا، من هم آباء الأزمة وبوابة الخروج منها، ورئيس المجلس، نفسه، في طليعتهم. وللمواطن أن يسأل من سيصطفيهم بري، لماذا لم يجدوا مبرراً للقاء والحوار منذ 5 أيار 2014، يوم انعقدت “هيئة الحوار” في بعبدا برئاسة الرئيس ميشال سليمان، ولماذا لم يطبق أي من بنودها، ومن يكفل ألا تكتفي الطاولة المجددة ببيان عناوين براقة، ستفتقد التنفيذ، خصوصا أن السؤال الأساس سيكون، من أين البداية: من انتخاب الرئيس، أم من انتخابات تشريعية، أم من قانون انتخابات جديد؟ أم من سرايا السلاح؟ فالمرحبون بالدعوة لم يخرجوا عن “لياقة” الترحيب المبدئي، تاركين التفاصيل للشيطان الذي لا بد سيحضر، فتكون الطاولة العائدة مسكّنا يمدد الأزمة، و”يطفئ” الحراك المدني، ويطيل المعاناة اللبنانية. اللافت أنهم يرحبون كما لو أنهم بريئون من أبوة الأزمات الراهنة.
ما العمل إذاً؟
استمرار المجتمع المدني في غضبته، وتنظيف صفوفه من الموتورين المندسين.
فالدعوة إلى الحوار، ليست بطولة، فهذه في التنفيذ، وإعلان بعبدا شاهد. يومها لم تصل “فرحتنا لقرعتنا” وأنكر “الحزب” موقفه. إن تكرر، سنتذكر قول الشاعر عمر أبو ريشة، عندما ارفضّت القمة العربية في الرباط عام 1969، بعد نكسة 1967، من دون اتفاق: “خافوا على العار أن يُمحى، فكان لهم في الرباط (الحوار) لدعم العار مؤتمر”.