IMLebanon

مقامرة “المُشاغلة”: لا وقتَ للمكابرة

 

رغم صدق التضحيات وإرادة المواجهة الصلبة التي تتنكر لأي عقبات رفعاً للمعنويات، فإنّ العارفين ببواطن الأمور لا يحسدون «حزب الله» على مأزقين يتحمل مسؤوليتهما. واحد وقع فيه، وآخر يجرّ لبنان إليه.

 

يمكن للأبواق والعوام الاستمرار في ممارسة الشتيمة بلا تمييز وسوق الاتهامات بالصهينة والتآمر مع «الغرب الاستعماري» و»الرجل الأبيض» ضد كل رافض لهذه الحرب لانعدام التكافؤ والاستئثار بقرار السلم والحرب، لكن ذلك لن يغيّر واقع أنّ حرب المساندة التي أطلقها «الحزب» للتخفيف عن غزة حقّقت صفر أهداف. فهي لم تمنع إسرائيل من تدمير القطاع وإنهاك «حماس»، ولا حَمت الجنوب ولبنان من عدوان مفترض لم يكن سوى إحدى الذرائع لخوض معركة لا أفق لها إلا ما تخطّه طهران.

 

«حرب المُشاغلة» بكل المعايير فشل ذريع. فـ»الحزب» خسر نخبة لا تحصى من كوادره، وبيئته نكبت بالدمار والضحايا والتهجير، وسائر اللبنانيين تضرروا بأشكال متنوعة. هنا فندق خمس نجوم لا يشغله سوى حفنة نزلاء. وهناك مؤسسة دستورية أمّ ناخت تحت وطأة «الثنائي» المُصادر رئاسة الجمهورية في انتظار جلاء «طُوفان الأقصى». وهنالك جهة أمنية استغلت الانحلال العام فنسيت القوانين (فضيحة أمن الدولة وداني الرشيد). كل ذلك من غير أن نذكر الغرق الإضافي للقضاء في التسييس، والودائع المنهوبة المشمولة بالرعاية، وتداعيات النزوح المتدحرجة (جريمة الأشرفية مثلاً)، والأضرار التي لحقت بكل مواطن بفعل مناخ الحرب الطارد للوظائف والأعمال والمحبط للأمل في المستقبل.

 

حان الوقت لتجديد مصارحة «حزب الله». صرخة المواطن الذي ينشد العيش بسلام أهم وأصدق من شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» الذي نكبت به الأمة العربية منذ نشأة الكيان الصهيوني. وهو أقوى بالتأكيد لأنّ المعركة تُخاض خارج الشرعية الدستورية ومشروعية التوافق الوطني، وبعيدة أصلاً عن احتمالات تحقيق انتصار أو انجاز ملموس يشترك فيه الجميع ولا ينحصر بتقييمات ايديولوجية تنتج انتصارات تخاطب الغيبيّات.

 

واقع الأمر أنّ «حرب المُشاغلة» صارت مقامرة. فعدا إثارتها استياء كل من ليس منخرطاً في الولاء العضوي لـ»حزب الله»، فإنها تغذّي تفضيل الانفصال والطلاق على شعور التبعية والعجز عن ممارسة الشراكة الفعلية. وهو شعور متراكم منذ زمن الوصاية السورية وعزّزه استخدام سلاح «الحزب» في الداخل وتصرف «الثنائي» كحاكم بأمر الله وبالقوة العارية منذ عام 2005 أي منذ عقدين مرّت خلالهما على اللبنانيين أحداث جسام وثورتان أحبطهما متحكماً بكل مفاصل الدولة التي انهارت بين يديه وعلى رؤوس كل الناس.

 

مقامرة «الحزب» الحقيقية هي تجاهله التحذيرات الدولية من عدوان تدميري، لأنّ آلة الحرب الاسرائيلية شبِقة الى تكرار نموذج غزة في لبنان وجعل منطقة القرار 1701 أرضاً محروقة. ويبدو أنّ كل الكلام على صفقة تعطيه مكاسب في الداخل مقابل تسهيله تطبيق القرار الدولي مجرد أوهام حتى الآن.

 

نفهم أنّ ورطة «حزب الله» كبيرة. فلا هو يستطيع الانكفاء أمام عدو لا يرحم. ولا هو قادر على مواجهة شاملة تغرقه وتغرق طائفته في كارثة استراتيجية قد تؤدي الى تفكيك لبنان، لكن يبقى أمام «الحزب» مخرجٌ مشرّف لو أراد، يحفظ كيان طائفته ودورها وحقوقها ويساهم ايجاباً في إنقاذ كل لبنان.

 

لا عيب في التنازل للدولة على الاطلاق. ولا مذلة في تفويض الجيش تولي أمن الجنوب والانصياع للدستور ووقف الاجتهادات المعطّلة لانتخاب رئيس توافقي يعيد لملمة البلاد، عسانا نرى آخر مغامرات الطوائف وارتباطاتها المكلفة بالخارج والمحاور، فنأمل في قيامة دولة مواطنية لا فضل فيها للبناني على آخر إلا بقدر ولائه للبنان.