IMLebanon

ما بعد بعد “حرب الإسناد”

 

إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخشى انتهاء الحرب، لأنه، بانتهائها، سينتقل من «غرفة العمليات» إلى قاعة المحكمة، فإن في لبنان مَن يخشون انتهاء الحرب، لأنهم سيجدون أنفسهم وجهاً لوجه مع «شعبهم» وبيئتهم، وسيجدون أنفسهم في «قفص الاتهام» لأنهم سيُسألون وسيخضعون للمساءلة تحت عنوان: ماذا حققت لنا «حرب الإسناد»؟

 

لن يستطيع أحدٌ هذه المرة أن يقول: «إننا انتصرنا»، فالمعنيّ الأساسي في هذه الحرب، حركة «حماس»، لم تنتصر، فإذا كان الأصيل لم ينتصر، فما هي حال المسانِد؟

 

من دون مسايرة، عملية «طوفان الأقصى» لم تكن حرب «حزب الله»، فهو قال في بداية الأمر إن «وحدة الساحات»، والمقصود غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران، سيتم تفعيلها، لكن شيئاً من هذا لم يحصل، فتحت جبهة جنوب لبنان، وأقفلت جبهة الجولان، وغابت جبهة العراق، وفُعِّلت جزئياً جداً جبهة إيران، وكانت جبهة اليمن «جبهةً عن بُعد»، فلم يبقَ في الميدان سوى «حزب الله»، وكان تحريك مدى قوّته النارية يأتي من طهران، إما عبر وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبد اللهيان، وإما من خلال وزير الخارجية بالوكالة الذي زار لبنان أخيراً.

 

مهما يُقال من كلام، يستشَفّ منه رفع المعنويات وتأكيد «النصر الآتي» (من دون أن يُقال كيف)، فإن ما بعد بعد الحرب أصعب بكثير على «حزب الله»، مما هو عليه الوضع أثناء الحرب، فحتى لو انتهت الحرب اليوم، كيف سيبرّر «الحزب» سقوط أكثر من أربعمئة مقاتل من قوات النخبة وغير النخبة لديه؟ كما كيف سيبرّر هذا الدمار الهائل الذي لحق بالجنوب في الشهور الثمانية من الحرب؟ ما هو معيار هذا الانتصار المكلِّف، إلى اليوم، في الخسائر في الأرواح والممتلكات؟ لعلّه من الأفضل لـ»حزب الله» أن تستمر الحرب من دون مساءلته، على أن تنتهي وتبدأ مساءلته.

 

في حرب تموز 2006، ومع أنّ «حزب الله» هو الذي أعطى الذريعة لإسرائيل لشنِّها، فإنه لقي تعاطفاً، وكان بإمكانه أن يتحدّث عن انتصار، أو على الأقل عن عدم هزيمة، لأنها كانت حرباً بينه وبين إسرائيل، ولم تتدخل أي دولة أخرى أو حركة أخرى أو حزب أو تنظيم آخر في «إسناده» في حربه، وفي عرقلة الخطة العسكرية لإسرائيل. تحدّث «الحزب» عن «انتصار»، واستثمر فيه إلى آخر درجات الإستثمار، لم يكن أحد قادراً على مناقشته في انتصاره.

 

اليوم الوضع مختلف، الحرب منذ السابع من تشرين الأول 2023، لم تكن حربه، والإسناد الذي قدّمه لـ «حماس»، لم يخدمها في شيء، ها هي غزّة مدمّرة، والمعركة تدور في آخر «جيب»، فيها، رفح.

 

حرب تموز 2006 دامت ثلاثة وثلاثين يوماً، «حرب الإسناد» دخلت شهرها التاسع، وليس في الأفق ما يشير إلى قرب انتهائها، وفي كلّ يوم تأخير، يتضاعف «الصداع السياسي» لدى «حزب الله»، بسبب صعوبة إيجاد المبررات، الفعلية وليس الكلامية، لِما أقدم عليه، خصوصاً أنها أطول الحروب، حتى أن حرب 1982 واجتياح بيروت، لم تدم طول هذه المدة.

 

هل كان الدخول في هذه الحرب مغامرة غير محسوبة النتائج؟ هل يتهيّب «حزب الله» انتهاءها؟ أي انتصار سيعلنه؟ وهل يتحمّل إعلان الهزيمة؟ نهايات الحروب أقسى بكثير من بداياتها.