Site icon IMLebanon

أخطاء التقدير التي دفع ثمنها “حزب الله”

 

 

الميدان أسقط “البروباغندا”

 

 

بعدما كان “حزب الله” يعلن استحالة دخول الجيش الإسرائيلي إلى لبنان خوفاً من تكرار تجربة حرب تموز 2006، وبعدما كان يُعلن عن استهداف المواقع الإسرائيلية داخل إسرائيل، بات يعلن عن استهداف نقاط تجمّع وتقدّم الجيش الإسرائيلي داخل لبنان في القرى الأمامية التي باتت تحت سيطرة هذا الجيش. هذه البيانات تعكس الواقع الصعب الذي يواجهه “الحزب” على الأرض.

 

 

منذ بدأت حرب الإسناد التي خاضها “حزب الله” ضد إسرائيل في 8 تشرين الأول 2023 دعماً لحركة “حماس” في قطاع غزّة وهو يُعلن أنّ قوة الردع هي التي تمنع هذا العدو من التوغّل البري وهي التي تحقّق توازن الرعب معه. ولكن واقع “الميدان” لا يعكس هذه النظرية. ذلك أن الجيش الإسرائيلي حقّق اختراقات كبيرة لم يَحتسِب لها “الحزب” الذي يبدو أنّ قتاله من الجنوب حتى الضاحية الجنوبية بات بلا أمل.

 

 

بدأت إسرائيل الهجوم المركّز على “الحزب” وقواعده العسكرية وقياداته ومقرّاته السرية وغير السرية بعملية تفجير أجهزة البيجر في 17 أيلول الفائت التي اعتبرها أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله ضربة قوية وموجعة، ولكنّه لم يَحتسِب إلى الضربات الأكبر التي ترافقت مع سلسلة تداعيات وحسابات خاطئة أوصلته إلى مواجهة مصير صعب قد يؤدّي به إلى خسارة وهزيمة كاملة عسكرياً وسياسياً بينما هو لا يزال يعلن أنّه استعاد توازنه وأنّه سيعيد الاعتبار لقوة الردع في الميدان ولكن الواقع مختلف.

 

 

 

أخطاء في حسابات “الحزب”

 

 

أكثر من نقطة يمكن التوقف عندها في هذا المجال للدلالة على أن الصورة على الأرض هي غير الصورة التي يقدّمها الحزب:

 

 

• بنى “الحزب” تصوّره على خلفية اقتناعه بأنّه بات متفوّقاً على العدو الإسرائيلي حتى أنّه كان يعلن أنّه قادر على تحقيق التوازن معه، وعلى تدمير الترسانة العسكرية الأميركية بما فيها من حاملات طائرات وأسلحة استراتيجية. وكان مقتنعاً أيضاً أنّ هذا العدو بالفعل أوهن من بيت العنكبوت، وأنه آيل إلى الزوال ولن يعيش أكثر من 75 عاماً، وأنّ اليهود المستوطنين سيهربون عبر المطارات أو سيلقون بأنفسهم في البحر عندما يُعلن “الحزب” الحرب وعندما يسقط الصاروخ الأول على تل أبيب. ولكن كل ذلك لم يحصل وظهر عكسه من خلال استعادة الجيش الإسرائيلي قوة الردع وتفوّقه تقنياً واستراتيجياً على كلّ مقدرات “الحزب” العسكرية والتقنية من خلال عمليات الإغتيال المركزة التي نفّذها ضدّ كوادره وقياداته قبل 17 أيلول وبعده.

 

 

• اعتبر “الحزب” أنّه يعرف كلّ شيء عن العدو الإسرائيلي وأنّ “الهدهد” الذي يرسله فوق الأراضي المحتلة ويأتيه بالصور الجوية سيخيف الجيش الإسرائيلي ويرعبه ويمنعه من الهجوم عليه. ولكنّ “الحزب” لم يكن مدركاً لما يعرفه العدو الإسرائيلي عنه. وقد أظهرت الوقائع أنّه مكشوف ومخترق إلى أقصى الحدود التي مكنت إسرائيل من اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله، ووريثه السيد هاشم صفي الدين، وقيادة الرضوان وقيادات عسكرية وسياسية وأمنية عديدة.

 

 

 

• بعد هذه الإغتيالات فقد “الحزب” توازنه السياسي والعسكري فحضرت القيادات البديلة وحضر القرار القيادي من إيران. ثم عاد الحديث عن ملء الفراغات القيادية وعن استعادة المبادرة في الميدان وأن هذا الميدان هو الذي سيقرر مصير الحزب والحرب.

 

 

دروس حرب تموز

 

• في الواقع انتقل “الحزب” في نكرانه للواقع من نظرية أن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع أن يدخل إلى نظرية أنه لا يستطيع أن يبقى، وأنّه يدخل ويخرج إلى ما وراء السياج الحدودي. ولكن “الحزب” لم يَقُل مثلاً أنّه عاجز عن استهداف مركّز لهذا الجيش في دخوله وفي خروجه ولم يَقُل أيضاً لماذا لا يستطيع هو أن يعود إلى القرى التي أعلن العدو الإسرائيلي الدخول إليها وخرج منها.

 

 

• بعد بدء الحرب المباشرة بدا أنّ إسرائيل استفادت من دروس وعِبَر حرب تموز 2006 بينما لم يفعل “الحزب”. على العكس استمرّ في اعتماد استراتيجية الأنفاق التي اعتمدها عام 2006 وحقّق فيها ضربات مؤلمة للجيش الإسرائيلي. وانتظر “الحزب” أن يكرّر هذا الجيش تجربة تموز 2006 ويبدأ بالتوغّل البري. ولكنّ هذا الجيش الذي حشد نحو خمس فرق عسكرية لم يزجّها كلّها في حرب مباشرة، بل اعتمد على الغطاء الجوي الذي يتفوّق فيه، وعلى العمليات المركّزة والمحدودة من خلال اختراقات تقوم بها مجموعات صغيرة على مستوى حضيرة أو فصيلة مدعومة بتفوّق تكنولوجي للكشف عن خنادق الحزب تحت الأرض وتدميرها.

 

• صحيح أن “الحزب” نجح في تحقيق ضربات ناجحة ضد مجموعات من الجيش الإسرائيلي، ولكنّه لم يكن ليستطيع تحقيق التوازن فبقيت هذه العمليات محدودة ولم تمنع الجيش الإسرائيلي من استكمال السيطرة على قرى الحد الأمامي وتنظيفها من الكمائن ومن الخنادق قبل أن يزنِّرها بالمتفجرات ويدمِّرها بالكامل. هذا العمل العسكري كان يحتاج إلى أن يحصل في العلن وإلى وقت للتحضير، ومع ذلك لم تكن للحزب أي قدرة على التصدّي له أو منعه.

 

 

 

القتال حتى الموت

 

• بعدما بدأت الحرب المباشرة والتقدّم الإسرائيلي كانت وحدات “الحزب” العسكرية التي تتموضع في قرى الحد الأمامي باتت معزولة عن بعضها وعن القيادة المحلية أو القيادة المركزية. وبالتالي كانت أصبحت في مواجهة واقع صعب وهو القتال الفردي كمجموعات مستقلّة لا يمكنها الإنتصار أو فك الحصار. ولا يمكنها الإنسحاب أو الإلتحاق بمجموعات أخرى، ولا تستطيع تأمين أي مساعدة غذائية أو لوجستية بالسلاح والعتاد والذخيرة، ولا يمكنها أن تؤمّن أي مساعدة طبية. ولا مجال أمام هذه العناصر المتروكة إلا القتال حتى الموت أو الإستسلام.

 

 

 

• على رغم أن الجيش الإسرائيلي بدأ المرحلة الثانية من التوغّل البري لم يغيِّر “الحزب” استراتيجية المواجهة. ربّما كان يعتبر أن التوصل إلى اتفاق لوقف العمليات القتالية عبر الوسيط الأميركي أموس هوكستين قد يؤمّن له استراحة يريدها ليستعيد أنفاسه ويؤخّر قدر الهزيمة التي يواجهها. ولكن إسرائيل لا تترك له هذا المجال بعد التقدم البرّي المستمرّ نحو البياضة على الساحل بين صور والناقورة، ونحو بنت جبيل والخيام حيث تقاتل مجموعات “الحزب” المتبقية هناك قتالاً تأخيرياً لا أكثر، ولذلك تبقى مسألة السيطرة مسألة وقت.

 

 

 

• بعد السيطرة الإسرائيلية على قرى الحدّ الأمامي باتت عملية التقدّم نحو خط السيطرة الثاني أسهل لأنّ “الحزب” لم يُقِم تحصينات في هذا الخط بكثافة وأهمية التحصينات التي أقامها في الخط الأول. ولذلك ستكون الإختراقات الإسرائيلية أسرع وأعمق وأسهل.

 

 

 

بين اجتياح 1982 واجتياح 2024

 

• على عكس ما حصل في اجتياح 1982 يحصل “اجتياح 2024” إذا تابعت إسرائيل الهجوم ولم يعلن “حزب الله” تخلّيه عن سلاحه. في اجتياح 1982 لم تكن هناك مقاومة في القرى والبلدات الشيعية. على عكس ما يحصل اليوم كان الشيعة في شكل عام ينتظرون ساعة الخلاص من فوضى سيطرة السلاح الفلسطيني. بينما تجاوز الجيش الإسرائيلي المخيّمات الفلسطينية في صور وصيدا وحاصرها وتابع طريقه نحو بيروت، اليوم في “اجتياح 2024” لم تستهدف إسرائيل المخيمات الفلسطينية لا في صور ولا في صيدا ولا في بيروت والضاحية الجنوبية. ولذلك في حال استمرار التوغل البري قد تتجاوز بعض البلدات الشيعية الكبيرة وتكتفي بحصارها.

 

 

• لم تستنزف الحرب قدرات “حزب الله” في قرى الحدّ الأمامي والخطّ الثاني جنوب نهر الأولي بسبب الحصار الجوّي الذي يمنع أي إمداد لها، بل اسستنزفت قدرات “الحزب” الصاروخية والمخزون التسليحي الاستراتيجي نتيجة استمرار إسرائيل في استهداف مخازن الحزب في الضاحية والجنوب والبقاع ونتيجة الحصار الذي تحاول فرضه على خطوط الإمداد والمعابر على الحدود مع سوريا. ولذلك صارت عمليات القصف التي يقوم بها “الحزب” محدودة في عدد الصواريخ وفي الأهداف. وإن كان بعض الصواريخ أو المسيَّرات يصل إلى بعض الأهداف في حيفا وتل أبيب إلا أن هذا الأمر لا يحقّق القدرة على فرض التوازن ووقف النار.

 

 

 

• في مقابل عجز “الحزب” المتفاقم عن المواجهة لا يمكن استبعاد أن يقوم الجيش الإسرائيلي باختراقات أعمق وأوسع عبر إنزالات في عدد من المناطق التي لا يمكن أن يواجه فيها أي مقاومة. ولا يمكن استبعاد أيضا أن يحصل اختراق كبير مثلا عبر مناطق راشيا أو حاصبيا، لقطع طريق المصنع وضهر البيدر وفرض حصار كبير على الحزب بعدما يكون فقد الكثير من قدرته على التصدي لمثل هذا التقدم. ولا يمكن استبعاد أن تتمكن القوات الإسرائيلية بعد ذلك من حصار الضاحية الجنوبية.

 

 

• أكثر من ذلك لا يمكن تجاهل ما تمّ تسريبه عن سيناريوات للتوغّل البرّي عبر الأراضي السورية انطلاقاً من الجولان لقطع طريق الإمداد بين لبنان وسوريا والعراق وإيران.

 

 

طالما أن أفيخاي أدرعي بات يتحرّك في العديسة وفي كفركلا التي زارها أيضا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وطالما أنّ “حزب الله” مستمرّ في القتال أملاً باستعادة التوازن لتحقيق نصر إلهي جديد قياساً على “انتصاره الإلهي” في حرب تموز 2006، ثمة من يعتبر أن الاستمرار في هذا القتال غير المتكافئ يصبح بمثابة انتحار وصولاً إلى القول إنّ إيران تريد أن يستمرّ القتال حتى آخر عنصر في “حزب الله”.