IMLebanon

الدعم لن يستمر

 

في لبنان تأجيل اتخاذ القرارات ليس جديدا، وهنالك دائما أمل بأن الأمور ستحل من تلقاء نفسها وانه «اذا ما كبرت ما بتصغر». عقلية المغامرة أو المقامرة هي في غاية الخطورة والنتائج يمكن أن تكون عكس المتوقع. المواطن اللبناني اليوم يقوم «بالنق» والاحتجاج الصامت لكنه ليس مستعدا بعد للقيام بالانتفاضة الحقيقية ربما لأن الثمن باهظ في رأيه ولا بد من انتظار الانقاذ بتكلفة أقل.

لا يمكن لأي دولة أن تدعم أكثر من طاقتها. لبنان يدعم ويقوم المهربون بارسال قسم مهم من السلع المدعومة الى الخارج، ولا من يحاسب بل هنالك من يستفيد من غياب الرقابة. الدعم حاليا يسرق المودعين، اذ لم يوافقوا على استعمال أموالهم وستحصل محاسبات قانونية على هذا التصرف. من أين يأتي التمويل؟ من سلفات جديدة؟ فمن يقرضنا بعد ان تخلفت دولتنا عن تسديد اليوروبوندز دون نقاش أو اذن أو برنامج أو حوار وتتفاخر بما فعلت. هذا أسواء ما يمكن أن يوصف به مجتمع. نطلب المساعدات من الخارج، فلما لا يحاول المسؤولون ذلك بدل المشاجرات المزعجة؟ في كل حال استعمال أموال الودائع مرفوض اذا لم يؤخذ اذن المودعين وهذا ما لم يحصل حتى الآن.

في الوضع المالي الحالي، لا يمكن الاستمرار في سياسة الدعم اذ ليس لنا الأموال لذلك. المطلوب تحمل المسؤوليات من قبل الحكومة المستقيلة والجميع يعرف الواقع ويجب تخفيض التكلفة ولماذا الانتظار؟ استعادة الأموال المنهوبة يجب أن تكون المصدر، الا أننا بعد سنوات من الخطابات الرنانة والوعود المزيفة والحلقات الاعلامية السخية لم نستعد دولارا واحدا. لا يمكن تمويل الدعم من الاحتياطي الالزامي اذ هو أموال المودعين أي بعض المواطنين وليس جميعهم. فلما يمول المودعون كل حاجات اللبنانيين؟ فالمودعين بأكثريتهم موظفين وقطاع أعمال وأصحاب مهن شرفاء وليسوا فاسدين ولا يمكن وضع اليد على أموالهم بالقوة.

طبعا تشكيل حكومة مهم جدا لكنه بداية الطريق، وقد شكلت عشرات الحكومات منذ اتفاق الطائف وهذا ما وصلنا اليه. نحن غير مقتنعين بأسباب عدم تشكيل الحكومة حاليا أو تأخير هذا التشكيل، اذ ما يصدر من تبريرات لا يمكن أن تبرر التأخير. أسواء ما نسمعه هو أن السياسيين يريدون معرفة مرجعية الوزراء وهذا مهين بحد ذاته. اذا كنا نفتش عن الاختصاص، فمن المعيب أن نقول للرجل أو المرأة الى من تتبعوا. اذا كانت المرجعيات الزامية، فمن الأفضل أن تشكل الحكومات من السياسيين، اذ هنا الهوية واضحة ولا مفاجآت في سوء الاداء. لماذا نؤخر التشكيلة اذا كان الهدف العودة الى الهوية المرجعية التي أثبتت فشلها وضررها؟

الاختصاص يجب أن يكون الأساس في هذه الحكومة وغيرها مستقبلا، والتوزيع المذهبي لا مفر منه مع بعض النظر الى المناطق وهذا يكفي. اللبنانيون يفهمون العوائق ويريدون النتائج وينتظرون. اللبنانيون تعبوا من تصريف الأعمال التي أيضا لا تصرف كما يجب وتشير المراسيم والقرارات القضائية وغيرها الى ذلك.

ما الحل بالنسبة للدعم؟ لا قدرة لنا على الاستمرار به. هذه هي الحقيقة.

أولا: توقيفه مع الموافقة على البطاقة التموينية سريعا ممولة من قروض البنك الدولي وهي كافية للبدء بالمشروع. المهم أن نحسن اختيار المستفيدين، والجيش ينفذ لكن لا يمكنه اختيار العائلات التي هي مهمة وزارة الشؤون الاجتماعية. لا بد من الاستفادة أيضا من أموال التبرعات التي أتت الى الجمعيات غير الحكومية والتي يجب أن توظف للمصلحة العامة. حتما السلع ستصبح أكثر تكلفة على المواطن، لكن ترشيد الانفاق العائلي يبقى الأساس واللبناني قادر على التأقلم حتى تتحسن الأوضاع في البلد بدأ من تشكيل الحكومة وتحقيق الاصلاحات وبدء المفاوضات.

ثانيا: هندما ترتفع الأسعار سيتوقف التهريب لأننا نصبح أغلى من الدول المجاورة أو تلك التي كانت تستفيد من دعمنا. اثبتنا في لبنان وفي معظم القطاعات أن المافيات أقوى من الدولة وأصبحت وقائع معترف بها وتغطى سياسيا بكافة الشعارات والخطابات والمواقف. هذه المافيات ستخسر الكثير لكنها غنية وبالتالي ستحول أموالها تبييضا الى قطاعات استثمارية جديدة ربما تفيد معه المجتمع بعد ابتزازات دامت عقودا.

ثالثا: مع ارتفاع الأسعار وتوزيع البطاقات التموينية للمستحقين، من المنتظر أن يعود الانتظام الى القطاعين العام والخاص. سيرتب القطاع العام أوضاعه ويعود العمل الجدي والرصين تدريجيا اليه كما سيحاول القطاع الخاص العمل بانتاجية. المطلوب أن ترتفع الانتاجية في كل القطاعات والا خسرنا معركة النهوض قبل أن تبدأ.

رابعا: يجب أن نعي في لبنان أن الدول المحبة صادقة معنا لكنها لن تقوم بمهمة انقاذ لبنان ولا تستطيع ذلك. هذه مهمتنا ودورنا مع مساعدة الآخرين، وليس أكثر. حتما المطلوب انتخابات نيابية بأسرع وقت لتجديد الطبقة الحاكمة. لكن هذا لن ينجح اذا لم تتكاتف منظمات المجتمع المدني وتترشح بلوائح موحدة في كل الأقضية. جمعيات تترشح في أقضية معينة، وغيرها في أقضية أخرى. ما يجري على الأرض من تعاون بين الجمعيات لا يطمئن حتى الآن من نواحي الفعالية والتنظيم والخطاب والسرعة. المطلوب توحيد القيادة وتوزيع المهمات والا خسرنا جميعا التحدي القادم الذي ربما لن يعود مثله قريبا. اعادة انتخاب الأحزاب الممثلة في المجلس النيابي الحالي سيكون له تأثيرات سلبية كبيرة علينا جميعا لعقود مقبلة.

خامسا: نزف البلد اليوم ماليا واداريا وسياسيا يعقد الأمور ويرفع تكلفة الحل. ما يجري اليوم لا يضر بالمال فقط، وانما أيضا بالمؤسسات والقوانين. نحن نخلط بين السلطات وهذا عمليا يصعب اصلاحه. المال يذهب ويأتي، لكن ضرب المؤسسات سهل والبناء يأخذ الوقت الطويل. حاليا نضرب السلطة التشريعية بالتنفيذية، كما نضرب القضاء مما يفقده ثقة الناس اذ اعادتها ليس سهلا في غياب مؤشرات واضحة.

سادسا: اللبناني قلق كثيرا اليوم. اهم ما يقلقه وضع الليرة وأحوال المصارف. حتما الضمانات الصحية والاجتماعية تبقى في غاية الأهمية حتى في ظروف النمو والحياة الطبيعية. المنصة الجديدة التي أطلقها مصرف لبنان ضمن شروط وقواعد معينة تثبت شيئا واحدا هو أن وضع الليرة استقر على حدود دنيا بدأ من 12 ألف للدولار وربما أسواء لاحقا. الوضع المصرفي لن يتحسن قبل أن يدخل الدولار مجددا الى السوق، أي الدولار المحجوز منازلياً كما الدولار «الفريش» الآتي من الخارج. هذا يرتبط بدوره بالأمور الأخرى المعروفة بدأ من تشكيل الحكومة الى عودة الثقة التدريجية بالمؤسسات الرسمية والخاصة.