Site icon IMLebanon

فليُرفع الدعم…

 

تسود حالة رعب مصحوبة برياح شديدة من التهويل تُرافق ما يتسرب من غموض غير بناء مرتبط بقرار رفع الدعم المرتقب أواخر شهر أيار الحالي.

 

ويسقط اللبنانيون أكثر فأكثر في اللهاث خلف السلع المهددة بالإنقراض. وتعصف بهم موجات تسونامية من الشائعات عن إنقطاع المواد الأساسية، فيسارعون إلى تكديس ما يعتقدون أنه سينفد ويختفي. ويبحثون عنه بالحيلة والفتيلة. ويشعرون بالنصر والنشوة عندما ينجحون في مساعيهم.

 

ولأن الدعم شبه متوقف، يصبح شراء البضائع المدعومة درب جلجلة، ذلك أن الحصول على الدواء يستوجب جولات وصولات بين أصقاع المعمورة اللبنانية. وخراطيم محطات الوقود باتت تستسيغ الإرتماء أرضاً في حين تعبر الصهاريج من الساحل إلى الجيران وعين المسيطرين على الحدود ترعاها.

 

وفي حين بات محسوماً أنّ الإجراءات المتتالية باتجاه رفع الدعم تدريجياً عن استيراد السلع الأساسيّة والغذائيّة هي الحدث. والمحروقات والدواء والمستلزمات الطبيّة والقمح والسلّة الغذائيّة تشكل نجوم المرحلة. وكلها، وكما هو معروف، يتم إستيرادها بأموال هؤلاء اللبنانيين الخائفين ليصار إلى تهريبها خارج البلاد بغية الإستفادة من الفارق بين السعر المدعوم وسعر السلع بالـ”fresh dollars”.

 

كذلك بات محسوماً أن رفع الدعم سيؤدي إلى زيادة الطلب على دولارات السوق السوداء، وإلى تحليق سعر صرف الليرة اللبنانيّة نحو مستويات قد تتجاوز 20 ألف ليرة مقابل الدولار الأميركي خلال أسابيع قليلة فقط. وحينها “يا عين صبّي دمع”.

 

وعلى الرغم من هذا المحسوم، يكتفي اللبنانيون بالوسائل الترقيعية. لا يفكرون بوسائل فعالة لمواجهة مرحلة ما بعد الدعم. ولا يسعون إلى الأبعد قليلاً لمحاسبة من يتسبب بانهيار إقتصادهم وسرقة ودائعهم وأمانهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم.

 

وإذا لم تحصل هذه المحاسبة ستبقى الأحوال “فالج ولا تعالج”.

 

حينها… بماذا ينفعهم انتظار البطاقة التموينية أو كرتونة الإعاشة؟

 

فالحصيلة مأساة متوقعة على المستوى المعيشي، في حين لا تزال الحلول والبدائل في علم الغيب. وفي علم الغيب أيضاً، بل والمستحيل، إنتاج القيادة والإدارة المفترض توفرهما لدى هذه المنظومة للبدء في خطة إنقاذ فعلية. وليس لغياب الكفاءات، لكن لأن العلاقة بين الميليشيا والمافيا باب من أبواب الجهاد المقدس الذي يبيح نهب حقوق اللبنانيين.

 

فالفالج المستعصي على العلاج يتطلب نفض الخوف من الجوع، غير المبرر في معظم الأحيان، والإكتفاء بالشكوى والاحتجاج الخجول.

 

ما ينفع هو التفكير بوسيلة تقطع الطريق على عملية النهب المبرمج من دون حسيب أو رقيب.

 

ليُرفع الدعم. وعندها يتحمل اللبنانيون مسؤوليتهم كمواطنين، ويخططون لإجراءات بديهية لمواجهة المنظومة الملغومة بتقاطع مصالح المحور والفساد، إبتداءً من مصادرة السيادة وليس إنتهاءً بكل ما نشهد من فوضى وتهريب واحتكار تحت أنظار الدولة المعزولة عن الاهتمام الدولي.

 

لم يعد مجدياً الموت بالتقسيط، فليرفع الدعم، وليواجه اللبنانيون الحلول الجذرية التي تعيد لهم سيادتهم وأمنهم الاقتصادي والمعيشي. فهذه المواجهة تبقى أقل كلفة من حملات التحريض الطائفي والغرائزي. وليلتزم اللبنانيون ولو لمرة واحدة واستثنائية، بخطة بناءة لتحصيل حق من حقوقهم يبنى عليه ليصبح سابقة تقود إلى لواحق وملاحق. فهم أصحاب القضية الغرقى ولا لزوم لخوفهم من البلل.