الترويج لحل أزمة التعيينات من خلال سلة اقتراحات تتعلق بوضع العميد شامل روكز لا يعني أن الحل قائم، بل يعني أن الوقت يضيق أمام العماد ميشال عون لاتخاذ خيارات تؤدي الى التجاوب مع مطلبه
على وقع التهديد باستقالة رئيس الحكومة تمام سلام، وفضائح «سوكلين» وسرقة المال العام، والخلافات الداخلية حول الآلية الحكومية، تراجع ملف التعيينات الامنية عن صدارة الحدث المحلي، من دون أن يقفل، رغم أن مؤيّدي التمديد باتوا يتحدثون وكأن الملف طوي، في انتظار بتّه نهائياً، كما حصل مع التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص.
الجمود في الملف خرقته أمس زيارة وزير الدفاع سمير مقبل (كان قد التقى قائد الجيش العماد جان قهوجي) لرئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون.
ومع تطورات الساعات الاخيرة، بدت معلومات المتابعين عن كثب لملف التعيينات الامنية على ثقة بأن التمديد لرئيس الاركان اللواء وليد سلمان بات محسوماً. ما هو غير محسوم حتى الساعة، تأكيد ما إذا كان قرار وزير الدفاع سيشمل ــ كما جرى عشية الاول من آب قبل عامين ــ قائد الجيش، أو أن مقبل ومن خلفه يفضّلون سياسة الخطوة خطوة لنزع فتيل الانفجار مع عون، لأن أي قرار مزدوج يشمل قهوجي وسلمان في أسبوع الاستحقاق المقبل، يعني أخذ الوضع الى مزيد من التأزيم.
وما رشح من اتصالات المتابعين ومعلوماتهم أن لا مصلحة في المواجهة المباشرة، وأن تجزئة الخطوات أعطت حتى الآن «مفاعيل إيجابية» من دون مواجهة داخلية مكلفة.
قرار التمديد لسلمان أتى على وقع تبدل موقف النائب وليد جنبلاط الذي لم يكن يرفض التعيينات الامنية، لا بل سعى الى معالجة موضوع التمديد عبر اتصالات مع الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، من دون أن تصل الى نتيجة. أخذ مقبل التطمينات اللازمة للسير بالتمديد لسلمان، ما يرجئ مشكلة التمديد لقائد الجيش الى أيلول المقبل، ويعطي المعترضين والمؤيدين فرصة لجولة جديدة من الاتصالات، قد تكون، بحسب المتابعين، لمصلحة التهدئة أكثر ممّا هي لمصلحة بتّ قرار تعيين قائد جديد للجيش.
حتى الآن، نجح الفريق المؤيد للتمديد في تجاوز قطوع قوى الامن الداخلي، وهو في طريقه الى تمرير التمديد لرئيس الاركان. لكن هناك قطبة مخفية أيضاً يرى هذا الفريق أنه انتزعها، بعد مناورات الاسابيع الاخيرة، تتعلق بوضع العميد شامل روكز في الخدمة العسكرية، إضافة الى ما يدور من كباش حول مديرية المخابرات.
ففي خضم معركة الآلية والتعيينات، يقترب روكز من انتهاء خدمته العسكرية في تشرين الاول المقبل. وفي الايام الاخيرة، روّجت أوساط وزير الدفاع اقتراحاً يقضي باستدعاء كل من روكز ومدير المخابرات العميد إدمون فاضل من الاحتياط، بعد انتهاء مدة خدمتهما، على أساس إبقاء اسم روكز مطروحاً كمرشح لقيادة الجيش، بعد التمديد لقهوجي، إذا ما حتّمت التطورات السياسية لاحقاً مثل هذا الاختيار.
لم يعرف سبب الترويج لمثل هذا الخيار كأحد الحلول المقترحة، علماً بأن كل من له صلة بوزارة الدفاع وقيادة الجيش، من قريب أو بعيد، يعرف أن هذا الامر مستحيل. فخلافاً لقانون الدفاع الذي سمح عام 1971 بإعادة العماد اسكندر غانم وتعيينه قائداً للجيش بعد إحالته على التقاعد عام 1969، تنص المادة 19 من قانون الدفاع المعدل على أن «يعين قائد الجيش من بين الضباط العامين، المجازين بالاركان الذين لم يسبق أن وضعوا في الاحتياط بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الدفاع الوطني». وهذا يعني أن استدعاء قائد فوج المغاوير من الاحتياط، بعد تشرين الاول، لن يكون ذا فائدة في إطار معركة قيادة الجيش. كذلك فإن التمديد له لمدة سنتين كعميد، يعني أيضاً أنه لن يستفيد بعد تلك المدة من ترشحه لقيادة الجيش، لأنه سيكون استنفد سنيّ خدمته في المؤسسة.
وبحسب معلومات المتابعين لهذا الملف، فإن روكز أمام استحقاق التعيين الآن وقبل نهاية ولاية خدمته، وإلا فإنه لن يحظى بمنصب قيادة الجيش. وهذا الامر يدركه عون تماماً، الامر الذي يضعه أمام تحدّ إضافي لكسب معركة تعيينه.
أمس أوضح مقبل أنه بدأ مشاوراته فعلياً للبحث في موضوع التمديد. وهو طرح، بحسب مصادر المجتمعين، اقتراحات مثل ترفيع روكز الى رتبة لواء، ما يزيد سنيّ خدمته العسكرية، واقترح مجدداً تأجيل تسريح عدد من الضباط، إضافة الى القانون المتعلق برفع سن الضباط الموجود في مجلس النواب.
عن كل هذه الاقتراحات كان جواب عون واحداً: «كل ما يقترح مخالف للقانون، والقانون المقترح موجود في مجلس النواب وعلى مجلس النواب التعامل معه، والحكومة سلطة تعيين، وعليها أن تعين قائداً جديداً للجيش». كرر عون موقفه وعدم تراجعه عنه، وعلى الحكومة تحمّل مسؤولياتها. وكرر مقبل أنه مع التعيين، واذا لم يتم التوافق فسيكون أمام خيار التمديد.
تبقى قضية مديرية المخابرات. فقد سبق لمقبل أن اقترح استدعاء فاضل من الاحتياط، بسبب رغبة أميركية في التجديد له، نظراً الى اهمية التعامل معه في ملفات عدة، بحسب ما يتردد في أوساط وزير الدفاع. لكن ثمة مشكلة في استدعائه، هي في ما ينقل عن قائد الجيش أنه يميل الى عدم التمديد له، ويفضّل اختيار خليفة له. والاسم الاكثر ترجيحاً، كما بات معروفاً، هو العميد كميل ضاهر.
الكباش حول مديرية المخابرات، التي تحولت خط دفاع عن قيادة الجيش، لن يمر من دون ارتدادات. فاللجوء الى استدعاء فاضل من الاحتياط، هو بمثابة حل وسط بين ما يريده قهوجي وما يريده وزير الدفاع (أو الرئيس ميشال سليمان) من ميل الى ترشيح ضباط آخرين لمنصب مدير المخابرات، علماً بأن فكرة الاستدعاء من الاحتياط لن تكون بلا مردود داخل المؤسسة العسكرية أيضاً. فاقتراح التمديد السابق لاثني عشر ضابطاً موزعين مناصفة بين مسيحيين ومسلمين رفضته قيادة الجيش، وأي فكرة لاستدعاء ضابطين اليوم من الاحتياط، ستثير تساؤلات عن المغزى من استدعائهما فحسب، علماً بأن المساعد الاول لمدير المخابرات عبد الكريم يونس الذي لا يزال منصبه شاغراً، قد يطالب أيضاً باستدعائه، كما هي حال مدير مخابرات الجنوب علي شحرور، أو تطالب بهم مرجعيات سياسية أسوة بغيرهم من الضباط، من دون إهمال احتمال أن يلجأ أي ضابط متضرر الى الطعن في الاستدعاء.