مجدّداً يهدّد الانقسام الجسم القضائي، وقد طاولت شظاياه مجلس القضاء الأعلى ورئيسه الذي يؤخذ عليه اتّخاذ القرارات في شأن مشاريع القوانين المطروحة للمناقشة من دون البحث فيها مع أعضاء المجلس، خلافاً للقانون. ولم تنتهِ بعد فصول طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي استرداد اقتراح قانون استقلالية القضاء الذي كان معروضاً للمناقشة أمام الهيئة العمومية لمجلس النواب. حسناً فعل ميقاتي باسترداد القانون الذي لا يزال موضع اعتراض أعضاء المجلس لعدم عرضه للمناقشة في اجتماعات مجلس القضاء.
يؤكد مصدر قضائي أنّه استناداً إلى قانون تنظيم القضاء العدلي 83/150 كان يفترض الأخذ برأي مجلس القضاء الأعلى في شأن هذا الاقتراح، أو أي اقتراح أو مشروع يمسّ بالقضاء. الاقتراح الذي كان معروضاً على المناقشة مطلع الصيف الماضي، أمام لجنة الإدارة والعدل، كان استردّه وزير العدل بعد تشكيل الحكومة لمناقشته مع عدد من أعضاء المجلس، الذين فوجئوا بإعلان رئيس اللجنة النائب جورج عدوان بعد اجتماعه برئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود تسلّمه ملاحظات المجلس، بينما لم يكن أعضاء المجلس على علم بالأمر، ما اعتبر بمثابة مخالفة للأصول القانونية المرعية الإجراء.
وخلال اجتماعه الخميس الماضي بحث مجلس القضاء الأعلى في الموضوع، وتمّ الإجماع على أنّ المجلس لم يعطِ رأيه في الاقتراح بعد، وهذا ينسحب على المادة 73 المتعلّقة بالدفوع الشكلية من قانون أصول المحاكمات، وعلى قانون القضاء العسكري الذي أعلن النائب جورج عقيص إنجازه في اللجنة الفرعية قبل إرساله إلى لجنة الإدارة والعدل، ومن دون أن يكون أعضاء مجلس القضاء على علم به، وهو ما يعتبر تجاوزاً لا يمكن السكوت عنه بحسب المصدر القضائي. ينتقد المصدر تعاطي اللجنة النيابية التي هي «على عجلة من أمرها لتقديم هذا الإنجاز رغم وجود ثغرٍ عدة تعتري القانون ولا تتلاءم والوضع القضائي اللبناني ولا مع وضع القاضي اللبناني»، فضلاً عن استحداثه آليات يوقع تطبيقها القضاء في محظورات ومشكلات لا حلّ لها في القانون عينه.
ويورد المصدر القضائي عينه مكامن الاعتراض على بعض المواد التي وردت في الاقتراح، ومن بينها آلية تشكيل مجلس القضاء الأعلى، ومن يحدّد المعايير؟ ومَن هم القضاة المؤهلون لذلك؟ وهل يتمّ اختيار قضاة من ذوي الخبرة ومشهود لهم بمناقبيتهم القانونية في الأوساط القضائية؟
مثال آخر ورد في القانون حول اختيار قاضٍ تمييزي. بحسب اقتراح القانون يجب اختيار عضو من مستشاري التمييز، في مجلس القضاء. فمن يضمن مناقبيته حتى وإن كان مستشاراً؟ ومن قال إنّ وضعيته مماثلة لوضعية مستشار التمييز في فرنسا؟ في لبنان قد يصبح مستشاراً أي قاضٍ غير فاعل، ولو أنّ بعض المستشارين أهم من الرؤساء.
يؤكد المصدر وجوب أن تتوافر في رئيس المحكمة ثلاث صفات أساسية، وهي: أن يفهم بالقانون، نظيف الكف، وأن يكون شجاعاً في اتخاذ القرارات.
يعرض المصدر القضائي، على سبيل المثال لا الحصر، المشروع الذي كان يعمل عليه قبل عامين، وكان ينصّ على أن يستمر القضاة الحكميون (رئيس محكمة التمييز ورئيس هيئة التفتيش القضائي والنائب العام التمييزي) ست سنوات في ولايتهم، ما يعني إمكانية حل مجلس القضاء فور صدور القانون. ولكن المشروع لم يقرّ حتى آخر الصيف الماضي، حيث خفّضت المدة من ست سنوات إلى أربع سنوات وكأنها مراعاة لمدة ولاية رئيس مجلس القضاء.
وإذا كانت آلية تعيين رئيس مجلس القضاء أو مدعي عام التمييز أو رئيس التفتيش هي من خلال مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، فإنّ إقرار هذا القانون يلغي إمكانية أن تقوم أي حكومة جديدة بتغيير رئيس مجلس القضاء لوجود قانون مدّد ولايته. والمرسوم لا يعدّل قانوناً، وإلا يعدّ مخالفة لقانون تنظيم القانون العدلي، ولكل من يتعيّن في الفئة الأولى.
بتقدير المصدر القضائي انّ لائحة المخالفات تطول، لذلك كل تلك الملاحظات وغيرها يفترض أن يعرضها الرئيس الأول على جدول الأعمال للمناقشة في شأنها سلباً أو إيجاباً.
وحيال القول إنّ قانون السلطة القضائية يعطّله السياسيون، يتساءل المصدر: هل سبق وعرض على جدول أعمال مجلس القضاء لمناقشته قبل الحكم بتعطيله سياسياً؟ وهل سبق أن عرضت التشكيلات الجزئية لمحاكم التمييز على مجلس القضاء لمناقشتها مع الأعضاء، بعدما ردّها الوزير لوجود قاضٍ متقاعدٍ؟ يأسف المصدر القضائي لإصرار رئيس المجلس الأعلى على عدم إشراك أعضاء المجلس في مناقشة قوانين تهمّ الجسم القضائي، مبدياً خشيته من أن يكون السبب هو الخوف من التصويت داخل المجلس، خاصة أنّ الأعضاء يعتزمون تلبية الدعوة الى أي اجتماع لمناقشة المشروع الذي استردّه رئيس الحكومة، وغيره من المشاريع، وإعادة الاعتبار إلى عمل المجلس، وليس التغاضي عن المناقشة داخله.