بتاريخ 28/11/2024 نفّذ المجلس النيابي غارةً تشريعية على القضاء، أصاب من خلالها مجلس القضاء الأعلى، وألحَقَ به أفدح الأضرار، عبر تعديل نص المادة الثانية من قانون القضاء العدلي.
فجاء التصويت على هذا القانون بعد هرجٍ ومرج، دون أن يُدرِك النواب على ماذا صدّقوا. فأتى التصويت معيوباً، ومخالفاً لنص المادة/36/ من الدستور، التي تفرض التصويت على القوانين بالمُناداة وبالأسماء وبصوتٍ عالٍ.
ولم يقتصر الأمر على شكل الإقرار، إنما على مضمونه.
بالإطّلاع على القانون المذكور، يتبيّن أنه جاء مخالفاً لأحكام المادة/20/ من الدستور ولمبدأ استقلالية القضاء. وبمراجعة قانون القضاء العدلي وتحديداً المادة الخامسة منه (الفقرة “ز”) يتأكّد لنا أنه لا يُمكن إقرار مشاريع قوانين وأنظمة متعلّقة بالقضاء العدلي، دون استمزاج رأي مجلس القضاء الأعلى.
أمّا ما حصل، أن القانون الذي أُقرّ، جاء بمبادرة نيابية، حيث كان يقتضي أن يأتي بمشروع قانون من الحكومة، كون قانون القضاء العدلي يُعتبر من القوانين الوضعية، التي يجب أن يطلق مسار تعديله بمبادرة حكومية وليس نيابية.
وليس هذا فقط، إنما أتى بمقتضى اقتراح قانون معجّل مُكرّر، لم يُحَل إلى اللجان، إنما أُقرّ في الهيئة العامة مباشرةً.
إضافةً لما تقدّم،
يظهر وبالعين المُجرّدة، أن هذا القانون أتى مُخالفاً لأحكام الفقرة “هـ” من مقدّمة الدستور، التي تنصّ على مبدأ الفصل بين السلطات.
فاعتدى على صلاحيات السلطة التنفيذية بالتعيين، علماً أن هذه الصلاحية هي من صلاحيات السلطة الإجرائية وليس التشريعية. بالتالي، حلَّ نفسه مكان السلطة التنفيذية وصادر صلاحياتها. علماً، أن الحكومة عيّنت رئيساً للأركان في وقتٍ سابق.
وأيضاً، تعرّض للسلطة القضائية بتدخُّله في تشكيل مجلس القضاء الأعلى. حيث يعتبر ذلك انتهاكاً فاضحاً لحرمة القضاء، وتدخُّلاً سافراً في شؤونه، وخرقاً واضحاً لمبدأ الفصل بين السلطات.
والأدهى من كلّ ذلك، أن هذا القانون قد أتى مُخالفاً لمبدأ الشمولية والتجرُّد، واتّسم بالشخصانية. فثابت أنه شُرّع لمصلحة أفراد وليس لمصلحة مؤسسة. فالبند الثاني منه، المتعلّق بالنائب العام التمييزي بالانتداب، غرضه تثبيت هذا الانتداب لا أكثر ولا أقلّ.
أما الفضيحة المدوّية فأتت في البند الثالث، حيث نص البند المذكور حرفياً: يُمدّد للقُضاة الذين يبلغون سن التقاعد بين 15/3/2025 و15/5/2026 الذين يتطلّب تعيينهم في مراكزهم مرسوماً يُتّخذ في مجلس الوزراء لمدة ستة أشهر من تاريخ تقاعدهم.
وبالعودة إلى القانون، فمَن هُم بحاجة إلى مرسوم، محصورة مواقعهم برئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي ورئيس هيئة التفتيش ورئيس هيئة التشريع والاستشارات ورئيس هيئة القضايا والنائب العام المالي لا غير.
ومن بين هؤلاء، ليس هناك إلاّ النائب العام المالي سيُحال إلى التقاعد بين 15/3/2025 و15/5/2026 (وتحديداً سيُحال بتاريخ 10/4/2025).
ولماذا بين 15/3/2025 و15/5/2026 وليس من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية وحتى 15/5/2026؟
لأن رئيسة هيئة القضايا ستُحال إلى التقاعد بتاريخ 10/1/2025 ولا يُفترض أن تستفيد من التمديد. لأن التمديد مُفصّل على قياس النائب العام المالي حصراً.
مما يفرض حُكماً، إبطال هذا القانون برُمّته لعدم دستوريته، واستطراداً، إبطاله جُزئياً في فقرتيه الثانية والثالثة.
إضافة إلى ما تقدّم، جاء نص الفقرتين الثانية والثالثة دون أسبابٍ موجبة، ذلك ما يؤكّد أن هاتين الفقرتين قد صار دسّهما في القانون على عجل، وعلى غفلةٍ من النواب.
وبالختام، يقتضي اللجوء إلى المجلس الدستوري لتقويم هذا الإعوجاج الدستوري. والرّهان اليوم على هذا المجلس ليوقف تنفيذ هذا القانون أوّلاً، ولإبطاله لاحقاً كُلّياً أم جُزئياً، إحقاقاً للحق، ونُصرةً للدستور.