IMLebanon

مجلس القضاء بين الإستمرار … أو الإنهيار

 

 

بعد إقرار التعديلات الدستورية في الطائف عام 1991، التعديل الأهم الذي حصل بالنسبة الى تشكيل مجلس القضاء، كان إقرار انتخاب قاضيين فيه كل ثلاث سنوات، فصدر قانون في هذا الخصوص، على انّه وقبل شهر من انتهاء ولاية مجلس القضاء الاعلى، يدعو الرئيس الاول هيئة محكمة التمييز الى انتخاب قاضيين من رؤساء الغرف لعضوية هذه المحكمة. وهذا ما فعله أمس الاول، حيث دعا الى انتخابهما في 18 الجاري.

 

تنتهي ولاية مجلس القضاء الأعلى في 18 من الجاري، فتتوقف مهماته وصلاحياته في المطلق، ولن يحق له التمديد لنفسه في اي حال من الحالات.

 

في السياق، توضح مصادر قضائية لـ«الجمهورية»، أنّه وبحكم الامر الواقع، تولي تلك الانتخابات اهمية للتوازن الطائفي. فالتركيبة الطائفية في المجلس تقسّم أعضاءه الى عشرة: 2 سنّة، 2 شيعة، ودرزي، 3 موارنة وارثوذكسي وكاثوليكي.

 

بحسب المصادر نفسها، درجت العادة عند كل انتخاب ان يقف رئيسا غرفتي التمييز من الطائفة السنّية في مستهل الجلسة، وينسحبا في اعتبار أنّهما غير معنيين بالانتخاب، لأنّ القضاة السنّة الاثنين هما اصلاً معينان «حكمياً»، وهما المدّعي العام التمييزي ورئيس التفتيش القضائي، أي هما «قاضيان حُكميان». ولذلك، لا يُصار الى انتخاب اي قاض سنّي في الجلسة، لأنّ عدد القضاة السنّة مستكملٌ اصلاً. فلذلك تصبح عملية الانتخاب مفتوحة بالنسبة الى بقية الأعضاء، ويمكن الاختيار من بين رؤساء التمييز المرشحين المتبقين، مهما كانت طوائفهم.

 

هذا بالنسبة للمرحلة الاولى. اما في المرحلة الثانية، وبعد انتخاب عضوين من غير الطائفة السنيّة، ينظّم رئيس مجلس القضاء محضراً بالجلسة ويرسله الى وزيرة العدل «لإعلامها» بإتمام انتخاب عضوين جديدين. وهذان العضوان وبمجرد انتخابهما، يصبحان حكماً عضوين شرعيين في مجلس القضاء وليسا في حاجة الى مرسوم لتصديق عضويتهما، بل بمجرد ان تُبلّغ وزيرة العدل بالامر، يمكنهما البدء بممارسة مهماتهما طبيعياً عند انتهاء ولاية مجلس القضاء الاعلى الحالية، أي عند عقد الجلسة الاولى للمجلس الجديد، اي بعد شهر تقريباً من تاريخ انتخابه. وذلك بعد قَسَم اليمين.

 

نصاب الجلسات

 

بعد انتخاب عضوين للمجلس من غير الطائفة السنّية ينضمان الى ثلاثة اعضاء حُكميين، وهما عضوان سنّيان بالإضافة الى الرئيس الاول، اي رئيس مجلس القضاء الاعلى المُحتسب من حصّة المسيحيين الموارنة (والذي تستمر ولايته حتى سن التقاعد)، يصبح بذلك العدد الفعلي للمجلس خمسة اعضاء. الّا انّ المشكلة هنا، حيث لا يمكن تأمين نصاب للمجلس بخمسة اعضاء، وبالتالي هم غير قادرين على الاجتماع، لأنّ نصاب الجلسة يتطلب اكثرية مطلقة من عدد اعضاء المجلس المكوّن من عشرة لتسييرها، ويلزمها ستة اعضاء لاكتمال نصابها. بمعنى إننا اليوم عملياً، ولو تمّ انتخاب القاضيين في 18 من الشهر الحالي، فسنظل مكاننا، لأننا ما زلنا في حاجة الى مجلس من 6 أعضاء. فما هو الحل؟

 

دور وزير العدل

 

تجدر الاشارة، الى انّ وزير العدل لا دور له في الانتخاب الّا في الشكل، حيث يتمّ اعلامه فقط بالتئام الهيئة الناخبة في محكمة التمييز وانتخاب القاضيين الفلانيين، كما يتمّ ابلاغه بعدد الاصوات التي نالاها وبمحضر الجلسة، فيأخذ علماً به. ويحق للقاضيين تسلّم مهماتهما من دون حاجة إلى مرسوم، شرط قَسَم اليمين. فأين دور وزير العدل عملياً؟

 

توضح المصادر القضائية المطلعة، انّ المادة 2 من قانون تنظيم القضاء العدلي توضح طريقة إتمام تعيين القضاة المتبقين، اي من اين يتمّ تعيينهم، من أي محكمة ومن أي هيئة. وهنا يكمن الدور الأساس لوزير العدل، الذي لا يمكن لأحد تجاوزه، لأنّ النص يقول بأنّ هؤلاء الاعضاء الخمسة يقترح وزير العدل تعيينهم، ولا يلزم النص الوزير استناداً الى المادة 2 بالرجوع الى احد، قبل اقتراح الاسماء الخمسة.

 

الّا انّ الأوساط القضائية المتابعة، تلفت الى انّ من المنطقي ان تتواصل وزيرة العدل مع القضاة الكبار واستمزاج رأيهم، الّا انّ المعيار سيرتكز الى السيرة الذاتية والمهنية والكفاية لأسماء القضاة المقترحين.

 

العقدة

 

في المعلومات التي تكشفها المصادر القضائية، انّ العقدة قد تكمن في مرسوم اقتراح تعيين خمسة اعضاء لمجلس القضاء الاعلى، الذي سترسله وزيرة العدل الى رئيس الحكومة حسان دياب، والذي يحتاج اولاً الى توقيع رئيس الحكومة ومن ثم توقيع رئيس الجمهورية.

 

وتفترض المصادر، أن لا يعترض دياب على التوقيع، لأنّ المرسوم ليس في حاجة الى جلسة لمجلس الوزراء، ولأنّ مجلس القضاء تمّ تشكيل نصفه، أي خمسة من اعضائه حكمياً وبالإنتخاب، وتبقى المرحلة الثانية التي تتطلب اقتراح وزيرة العدل خمسة قضاة يملكون الاهلية والكفاية لعضوية مجلس القضاء.

 

الّا انّ تلك المصادر القضائية متوجسة من تحجج رئيس الحكومة بموقفه المبدئي المتعلق بصلاحيات حكومة تصريف الاعمال، واعتبار التعيين في فترة تصريف الاعمال مهمة غير دستورية. وهنا يكمن خوف البعض من الفراغ الكبير في عمل السلطة القضائية، في حال اتخذ دياب موقف المتمنّع عن توقيع المرسوم.

 

في المعلومات، انّ وزيرة العدل مصرّة على معالجة الوضع وفقاً للقانون، لأنّ هذا التعيين يشكّل مصلحة وجودية لاستمرارية المرفق العام، وليس للمصالح السياسية، ولأنّ القضاء لا يمكن ان يُترك من دون مجلسه الأعلى، وهي ستصرّ على إمرار ذلك المرسوم. وتتوقع مصادرها أن يوقّع رئيس الحكومة المرسوم، لأنّ ليس هناك اي عائق قانوني يمنعه من هذا التوقيع في مرحلة تصريف الاعمال، بالإضافة الى انّ المرسوم هو عادي وليس في حاجة الى انعقاد مجلس الوزراء ولا الى موافقات استثنائية، ولأنّها تعوّل على حكمة دياب. وتلفت مصادر وزيرة العدل، الى انّ معايير اقتراحها اسماء القضاة، هي الكفاية والإنتاجية والسمعة النظيفة، لحمل المسؤولية في هذا الظرف الإستثنائي. الّا انّ مروحة الاختيار مربوطة ايضاً بسقف النص الذي فرض معايير وصفات محدّدة، يجب ان ينضوي الاختيار تحت لوائها. فشروط تعيين الأعضاء الخمسة لمجلس القضاء تتطلب:

 

1 – قاض من رؤساء غرف محاكم التمييز.

2 – رئيسان من غرف الإستئناف.

3 – رئيس من غرفة البداية.

4 – قاض رئيس وحدة في وزارة العدل أو من رؤساء احدى المحاكم،

 

بمعنى انّ وزيرة العدل لا يمكنها اقتراح اسماء قضاة تحقيق او قضاة منفردين او رؤساء دوائر تنفيذ او قضاة من النيابة العامة في المناطق… ولذلك تصعب الخيارات في محكمة التمييز لأنّها محدّدة برؤساء الغرف التي يترأس غالبيتها قضاة بالانتداب وليس بالأصالة.

 

هل يوقّع عون ودياب؟

 

تصرّ مصادر وزارة العدل على أنّ توقيع مرسوم اقتراح تعيين القضاة المتبقين هو قانوني بامتياز، وبمثابة إنقاذ للسلطة القضائية التي ستتعطل اذا لم يتمّ انتخاب اعضاء جدد لمجلس القضاء الاعلى عند انتهاء ولايته في 28 من الشهر الحالي.

 

وبالتالي، هل يتحمّل دياب، او ربما رئيس الجمهورية ميشال عون، وزر عدم التوقيع والوقوع في فراغ قضائي ايضاً؟

 

تعلّق المصادر القضائية المتابعة والمواكبة على فرضية عدم توقيع دياب قائلة: «لا احد يتحمّل اليوم عدم تشكيل مجلس القضاء الاعلى! «مين بيحملها»؟!