بالكيديّة السياسية يُدار مجلس القضاء الأعلى. الخميس الفائت عطّل رئيسه سهيل عبود انعقاد جلسةٍ دعا إليها أربعة من أعضاء المجلس للبحث في تعيين قاضٍ رديف في ملف تفجير مرفأ بيروت، متذرعاً بعدم قانونيته. السبت سنحت الفرصة لهؤلاء لردّ الضربة، عبر إصدارِ بيانٍ حول القضية نفسها لم يحظَ بموافقة «الريّس». الخلاف الذي لم يعد سراً بين فريقين يتقاسمان المجلس: أكثريّة أعضاء تدفع باتجاه تعيين محقّق عدلي رديف للقاضي طارق البيطار يبت في إخلاء سبيل الموقوفين في قضية المرفأ، وبين رئيس المجلس الرافض، ونائبه المتنحّي، والقاضي عفيف الحكيم المحسوب على عبّود.
لم يحدث في تاريخ القضاء اللبناني أن ظهرت الانقسامات إلى السطح بهذه الفضائحية. ولم تكن قصور العدل بحاجة إلى هزّة جديدة بعد خمسة أشهر من تعطّل العمل فيها. فبعد فك الاعتكاف القضائي كان من المُنتظر انتظام عمل السلطة القضائية. لكن نار رأس الهرم القضائي المُشتعِلة لا بدّ تطاول ألسنتها استحقاقات وملفات عدّة. وسرعان ما بدأ الحديث بين القضاة عن «انعكاسات انقسام المجلس الآخذ بالتصاعد، على كل ما له علاقة بعمل القضاء». ويتخوّف هؤلاء من عرقلة تعيين 80 قاضياً فازوا بالامتحانات الأخيرة، يُفترض أن يجري انتدابهم وتوزيعهم على المحاكم. الأمر يحتاج إلى توافق بين وزير العدل هنري خوري ومجلس القضاء الأعلى. وبما أن بين أعضاء المجلس أربعة قضاةٍ (داني شبلي وحبيب مزهر وميراي حدّاد والياس ريشا وهم من دعوا إلى جلسة الخميس الفائت) مقرّبون من خوري المحسوب على التيار الوطني الحر، فإن الكيدية السياسية، وفق مصادر قضائية «قد تلعب دورها لتتباين الآراء مرة جديدة داخل مجلس القضاء الأعلى. وهذه المرة بشأن انتداب القضاة الـ80، بين مجموعة ستتناغم مع الوزير وأخرى تعارضه». ويصح القياس على ذلك في بقية الملفات القضائية التي من المتوقّع أو غير المتوقّع – لم يعد مفاجئاً – أن تكون محلّ خلاف داخل المجلس، وترتدّ سلباً على انتظام عمل العدليات، في حين أن الوقت يتطلب انسجاماً في رأس السلطة القضائية.
الجميع يدرك أن لا حلول خارج الاتفاق السياسي. هو الحاكم الأوحد للسلطة القضائية المرتهنة. إجرائياً يتحدّث معنيون بالملف عن ضرورة استعجال ملء الشغور في مجلس القضاء الأعلى، وإتمام تعيين أربعة قضاة مضى أشهر على فراغ مناصبهم، واحتمال إحداث تغييرات مهمة في رأس الهرم القضائي مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. أو أن تفرُض تسوية داخلية وخارجية ما تتصّل بملف المرفأ نتيجة الضغوط الممارسة فيه، وضعاً وترتيباتٍ مختلفة داخل مجلس القضاء الأعلى. في كل الأحوال، فإن أي سيناريو لن يكون خارج إطار التسويات السياسية، وإلى حينها سيمعن الكباش الحاصل داخل مجلس القضاء في ضرب ما تبقى من دور لهذه السلطة.