لم يحصل أن استغرق اتفاق دولي الوقت الذي استغرقه الاتفاق النووي. في قلب هذه المفاوضات عدم الثقة والشك العميق المستند إلى وقائع بين الطرفَين الإيراني والأميركي. من الصعب جداً محو 35 سنة من العداء المباشِر الذي كاد يتحوّل إلى حرب مباشرة إلى جانب الحروب بالوكالة، في فترة قصيرة، ما رفع منسوب التعقيدات، أنّ الإيرانيين مفاوضون صعبون ودقيقون ويخافون من «سيف« المحاسبة في طهران، بعكس بعض المفاوضين العرب وأبرزهم أنور السادات الذي لم يكن يراجع أي فقرة بدقة رغم «الألغام» التي تضمنتها كل كلمة، إلى درجة أنّ وزير خارجيته لم يتحمّل فقدم استقالته وغادر كامب ديفيد.
يكفي لتقدير صعوبة المفاوضات، أنّ الاتفاق يقع في عشرين صفحة زائد ملاحق من 80 صفحة، أي حوالى أقل من عشرين ألف كلمة وتطلّبت جلسات مكوكية طوال عشرة أشهر على مستوى وزراء الخارجية ومساعديهم إلى جانب مفاوضات على مستويات مختلفة طوال 12 سنة.
الاتفاق النووي يوقّع فجر الأربعاء أو يصبح معلقاً. الإدارة الأميركية يجب أن تقدم الاتفاق إلى الكونغرس صباح 9 تموز لتجري مناقشته طوال شهر. إذا لم يحصل ذلك لا يعود من الممكن تقديمه للكونغرس قبل أيلول. لذلك هذه الفترة هي حكماً خط أحمر سواء شاءت الإدارة الأميركية أو القيادة الإيرانية أم مانعتا ورفضتا.
دقّة المواعيد، كشفت بعض أسرار المفاوضات. يُقال إنّه جرى التوصل إلى تسوية حول فترة رفع العقوبات الحسّاسة جداً لإيران وللرئيس حسن روحاني. بدايات الحل تبلورت في تسلم طهران لـ14 طن ذهب كانت مجمّدة في جنوب افريقيا منذ عامين. من أسرار المفاوضات أنّها تناولت مسألة تسلّح إيران وفي مقدّمها السلاح الصاروخي، واستيراد الأسلحة. الغرب يريد استمرار فرض الحظر على السلاح وأنّه «أمر غير مطروح للنقاش». يجري الربط بين التسلّح المفتوح والاستقرار في المنطقة. بهذا فإنّ المفاوضات الأميركية الإيرانية تناولت القضايا الاقليمية، بعكس كل ما يُقال من أنّها محصورة بالملف النووي. هذا الجانب من المفاوضات يهم المنطقة كلها التي تعيش حروباً ونزاعات، إيران طرف مباشِر فيها، وهي: سوريا والعراق واليمن ولبنان.
لا شك أنّ إيران ستبقى دولة قوية مهما «أعطت» مقابل ما «تُعطى». لكن لا يمكن أن تستمر إيران في التسلّح حتى «أسنانها»، وتوزيع السلاح والمال على القوى الملتزمة بها بدون حساب. توقيع الاتفاق ومناقشته في الكونغرس وموافقة الكونغرس عليه قبل 9 آب، تفتح الباب أمام عمليات بناء الثقة واختبار النوايا بين مطلع أيلول ومطلع شباط عام 2016. في هذه الفترة الحسّاسة سيعمل الطرفان الإيراني والأميركي على السواء على إنتاج اتفاقهما في المنطقة، عبر العمل لحلول للنزاعات المشتعلة. من الطبيعي جداً عندما تجري عملية اختبار للنوايا وتنفيذها ميدانياً أن «تتواضع» مطالب إيران، ولا يعود بناء «الهلال الشيعي» من حلب إلى عدن بالنار والحديد مستمراً بلا خطوط حمر. مهما قدّمت واشنطن من تنازلات لطهران، فإنّ أمن الخليج ودولها جزء من الأمن الأميركي، لذلك توجد خطوط حمر لا يمكن التنازل عنها أميركياً ولا خرقها إيرانياً.
يبقى، إذا فشل الاتفاق لأي سبب من الأسباب، فإنّ «أحزمة النار»، ستتمدّد وستضطرم أكثر فأكثر، خصوصاً أنّ المتشدّدين الإيرانيين في الإدارة وفي «الحرس الثوري»، سيمسكون السلطة والقرار ويدفعون لوأد المعتدلين في انتخابات مجلس الشورى ومجلس الخبراء قبل 20 آذار من العام المقبل. كذلك «الجمهوريون» في واشنطن سيجدون في الفشل فرصة لوضع نقطة نهاية للتمديد للديموقراطيين.
بعد توقيع الاتفاق غير ما قبله إيرانياً. تماماً مثل هافانا. فيديل كاسترو وافق ويشهد التغيير، في طهران المرشد آية الله علي خامنئي سيعيش هذا التغيير ويواكبه في ضبط المتشدّدين وفتح أبواب إيران أمام التغيير وعودة أميركا!