في خلال عملية الاقتراع في مجلس النواب في الجلسة المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، حدثت أخطاء اقتضت اعادة التصويت أكثر من مرة. ومثل هذه الأخطاء متعمّدة بل وأصبحت تقليدا في عمليات الاقتراع، يعمد اليه نواب بدوافع عديدة، اما بداعي المشاغبة والزكزكة السياسية، واما بداعي الهضمنة وخفّة الدم! غير أن هناك جوقة في السياسة والاعلام تكسب رزقها من التخصص في التصويب على هدف واحد لا تحيد عنه، وتعمي بصرها عن رؤية أية فضيلة فيه، وتنتقده عن خطأ أو صواب، وتعمل على تشويه سمعته، والتقليل من أهمية انجازاته، وشيطنته اذا أمكن!
بعض هؤلاء استغل مناسبة هذا الخطأ التقليدي المتعمد في عملية الاقتراع، للنيل من سمعة البرلمان في السياسة والاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والتهكم على طريقة الاقتراع التي لا تزال معتمدة في البرلمان بالصندوقة الزجاجية والورق، بل والتطاول على قامة رئيس المجلس النيابي، وإلصاق ما أمكن من ايحاءات سلبية به! ولكن ما حدث أمس الأول كان حدثا استثنائيا عندما أطلق الرئيس نبيه بري، عمليا وليس على الورق، مشروع البرلمان الالكتروني! وفي السنوات الماضية وعندما كانت ادارات الدولة في ذروة الترهل بسبب الازمات المتنوعة كانت خطط رئاسة المجلس تعمل بصمت للسير خطوات الى الحداثة لتتناسب مع العالم غدا، وصولا الى برلمان يعتمد على الوسائل الالكترونية المتقدمة ويستغني عن الصندوقة الزجاجية والورق معا!
عندما كانت مؤسسة الدولة تسترخي وتتثاءب بعد الشلل الذي أحدثه فيها الشغور الرئاسي لنحو سنتين ونصف السنة، وتقام المناحات العلنية تحسّرا على الماضي، كانت دوائر البرلمان تعمل بعيدا عن الأضواء والضجيج بما هو مفيد للوطن وشعبه ومؤسساته وتطوير ما يقع تحت سلطتها للالتحاق بالعصر الذي تخلفنا كثيرا عن مسيرته. وما يحرّك هذه الدينامية هو رؤية عميقة للعمل الوطني المسؤول. ويمارس البعض شعائر الوطنية من خلال خطاب سياسي يشبه قرع الطبل: صوت قوي صادر عن آلة جوفاء! بينما يعمل القادة الذين يصنعون التاريخ على مستوى آخر…
تعلمنا في المدرسة وخارجها، وفي السياسة وغيرها، وفي النص الدستوري وسواه ان مهمة البرلمان تنحصر في بندين هما: التشريع والرقابة، وهذا عمل وطني جليل ولا ريب. وبينما يمارس البعض عمله الوطني كيفما كان، وحتى على فنجان قهوة أو غيره في مقهى، فان مفهوما جديدا للوطنية نشأ في الممارسة العملية مع الرئيس نبيه بري، من خلال ما يمكن تسميته ب الوطنية الخلاّقة التي أطلقت دينامية جديدة للبرلمان، تضاف الى وظيفتي التشريع والرقابة، هي الدبلوماسية البرلمانية. وهي تمارس هذه الوظيفة على منابر برلمانات العالم للدفاع عن قضايا الوطن والأمة على المستوى القومي، على منابر العالم.
دشّن الرئيس نبيه بري الخطوات الأولى على طريق البرلمان الالكتروني… فمتى يا ترى الحكومة الالكترونية؟! سؤال غبي قبل تشكيلها…