تنحو معركة حلب في اتجاهات مفاجئة، وتأخذ معها شيئاً من التحالفات التي كان الظن أنها مكينة ومتينة فإذ بها (مجدداً) ملتبسة وحمّالة أسئلة واستفسارات كثيرة.
وليس المفاجئ في منحى انتقال المدافعين عن شرق المدينة إلى الهجوم، إنما في أحوال الطرف الآخر، الروسي/ الإيراني وملحقاته من بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد.
كثر (وكاتب هذه السطور منهم) كانوا ولا يزالون على قناعة لا بأس بها، بأن الفصائل المقاتلة ضد محور الطغاة في حلب، ليست تفصيلاً بسيطاً! ولا شراذم مهزوزة! بل هي، في العناوين العريضة، عيّنة من السوريين الذين قرروا منذ خمس سنوات ونصف السنة، أنهم شبعوا واكتفوا من سلطة آل الأسد ومن التركيبة الفئوية المتحكمة بهم منذ خمسة عقود، وذهبوا إلى المعارضة، سلمياً في البداية، ثم بملاقاة النار بالنار تالياً… ولو لم يكن هؤلاء في جملتهم أولي بأس شديد لما صمدوا بهذه الصورة الأسطورية طوال مدة هذا الجحيم!
أهل حلب جزء من ذلك النسيج الماسيّ! وكان نقصاً في خصال كثيرة، افتراض شيء آخر فيهم وعنهم.. لكن، لأن كثيرين في كل حال، يعتبرون في هذه المرحلة تحديداً، أن التغييرات الحساسة والكبيرة في خطوط القتال وخرائطها إنما تتم تبعاً لتسويات و»مبادلات» إقليمية ودولية قبل أن تكون نتيجة لموازين للقوى والحسابات الميدانية، فإن احتمال إسقاط شرق حلب بدا وارداً خصوصاً في ضوء كل ما يُعرف من مواقف أميركية انكفائية في مقابل كل ما يُعرف من تصعيد روسي مفتوح!
.. تبيّن ويتبيّن أن اليقينيات في عالم متغيّر جلاّبة ضغوط وأخطاء كثيرة. إذ في موازاة صعوبة تكسير الكتلة الصلبة للمعارضة في شرق حلب، انكشف المشهد على مفاجأة مزدوجة: الأولى، انتقال المدافعين إلى الهجوم، والثانية إظهار الروس شيئاً من التعقّل الناري الذي لا يتردد البعض في وضعه في سياق تعقّل سياسي يتصل بالعلاقة المميزة مع الأتراك، في مقابل «إعادة نظر» في بعض مناحي العلاقة مع الإيرانيين، ثم الرغبة في إعادة لجم بشار الأسد وتذكيره تكراراً ومجدداً بأنه لم يعد يمون على شيء، وليس من حقه أن يخرج في كل مرة يُسجل فيه داعموه تقدماً على الأرض، إلى إطلاق الصراخ الانتصاري بالطريقة الهستيرية التي اعتمدها في الآونة الأخيرة!
وغرابة ما يجري تكمن في أن الروس يتابعون «الحشد» في كل اتجاه، ويطلقون إشارات إلى استعدادهم للذهاب بعيداً في مواجهة تكتّل الغرب ضدهم، من حدود أوكرانيا والبلطيق إلى شواطئ المتوسط! لكنهم يكبحون نيرانهم في حلب؟!
لن يطول الزمن قبل خروج الخبر اليقين، لكن في انتظار ذلك لا بأس من التصفيق الحار للمعارضة في حلب! والتفرّج في المقابل ومجدداً على فيلم قديم يتحدث عن «تمايزات» خطيرة بين أقطاب محور الطغاة! وعن حسابات روسية خاصة أكبر من بشار الأسد وأهم من العلاقة المفتوحة مع إيران!