Site icon IMLebanon

مفاجآت تبرز على وجه التطورات بعد مضاعفات وخلافات

 

ثلاثي الإنقاذ يقود معركة التنوع السياسي

والإستقالة عنوان للتوحيد لا للتقسيم

ثلاثي سياسي يتحرك بهدوء في طرابلس.

لا حلف سياسياً يجمعهم في كتلة واحدة، لكنهم كتلة إنقاذية للوطن المضروب بألف كارثة وكارثة، وكتلة متراصة لإنقاذ لبنان.

ولا مبادئ واحدة تجعل من صفوفهم المتنوعة في الآراء والأهواء، ان تؤلف حزباً لبنانياً. بيد انهم حزب لبنان الذي يريد أن يعيش في وطن النجوم كما قال ايليا أبو ماضي، في دوحة الإنتصار للعقل اللبناني، يوم ضاعت عقول في زمان الإندحار، خلف ألف غايةِ وغاية.

انه أعجوبة من دون عجائب، وهو أحدوثة في بلد تتكاثف فيه الأحداث، وتتزايد على رقعته التطورات، الخارجية والأخبار.

كان الرئيس الشهيد رشيد كرامي، يقول لزواره في أحلك الظروف، ان لبنان باق، لا تخافوا عليه.

وفي الأسبوع الفائت، قال العماد عون ان لبنان ليس معروضاً للبيع، وليس معرضاً للإنهيار، وخاطب مجموعة من الجالية اللبنانية في روما: أعرف انكم لستم من موقف واحد، فقد جئت من لبنان بمواقف متضاربة، إلا انني مؤمن بان في تنوع الآراء والمواقف غنى للبنان، وفي الإتفاق على مناهضة طموحات أبنائه، صرخة في واد تدعو المختلفين الى التوافق والإتفاق على إنقاذ وطن يحبه شعبه من الأعماق، أعماق القلوب والصدور.

وأردف: الرئيس نبيه بري، والرئيس سعد الحريري وأنا لسنا من رأي واحد، وفكر واحد، لكننا واحد في السعي إلى إنقاذ لبنان.

 

ونظر رئيس الجمهورية الى أعضاء في الجالية اللبنانية في روما، تحلقوا للترحيب به في عاصمة الكرادلة، كما نقل عنه احدهم، وقال لهم، انه مؤمن بان بلد التنوع السياسي هو المؤهل للإنقاذ من الأفكار المحدقة به، لكن الخطر الأكبر، هو عندما اضطر أنا أن أنوب وحدي عنهم، في حمل مشعل الإنقاذ، لان رجاء القيامة لا يأتي، لا من فوق ولا من تحت، بل من لدن الله سبحانه وتعالى.

ففي العام ١٩٥٦، وبعد قمة عربية عقدت في بيروت، فوجئ الرئيس كميل شمعون باستقالة رئيس الحكومة عبدالله اليافي، ومعه وزير الدولة للشؤون العربية صائب سلام.

وعقب على تلك المبادرة السلبية بانها ضربة عاطلة بحق لبنان، وقال لصديقه الوزير نصري المعلوف، إن أعجوبة حققتها عندما أقنعت صائب سلام بأن يعمل وزير دولة للشؤون العربية، للمرة الأولى في تاريخ لبنان السياسي مع نده في الزعامة البيروتية، الا ان الإستقالة تشكل كارثة سياسية، خصوصاً وان المطلوب مني تجاههم، ان أقطع علاقات لبنان الدبلوماسية مع فرنسا وانكلترا، لان القطيعة من أبشع ما يقوم به بلد في الأيام العصيبة.

إلا ان وزير الدفاع يعقوب الصراف، قال قبيل سفره إلى قبرص لمحادثات مع زميله القبرصي، ان استقالة الرئيس سعد الحريري انقذت السلطة من الإنهيار، ومهدت الطريق لتعويم الوطن بدلاً من غرقه في بحر لا فرار له من الازمات.

كان والد الوزير يعقوب الصراف زعيماً ارثوذكسياً في عكار، لكن طرابلس عاصمة الشمال رشحته بشبه اجماع ليكون نائباً عنها، وشكل مع زميله الطرابلسي موريس فاضل ثنائياً من المسيحيين الأرثوذكس، لنصرة مدينة شمالية يلتحم في صفوفها المسيحيون والمسلمون من أجل نصرة فيحاء الشمال.

ويقول وزير الدفاع اللبناني يعقوب الصراف، انه يتابع خط والده الجامع لإبناء العاصمة الإسلامية الأولى في لبنان الشمالي خصوصاً، وفي لبنان الواحد عموماً.

عندما عاد رئيس الجمهورية من زيارته لروما، أدرك الكثيرون ان في لبنان قائداً لوطن، لا مجرد رئيس لبلد، وانه عندما يلتقي رئيس الجمهورية مع رئيس مجلس النواب ورئيس حكومة كل لبنان، يصبح البلد معافى، على الرغم من الازمات والنكبات.

ويعتقد النائب باسم الشاب ان سعد الحريري استقال من رئاسة الحكومة، وعاد الى السلطة زعيماً لا يُجارى في طائفته، لانه أثبت بحكمته وآرائه والمواقف ان الزعامة السياسية لا تأتي بالتوريث السياسي احياناً، بل بالممارسة الفريدة والشجاعة، هذا ما قاد الرئيس سعد الحريري الى مواقفه الأخيرة، وعاد منها أكبر من طائفته، على الرغم من ان والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان يردد دائماً بأن لا أحد أكبر من وطنه.

واللبنانيون انتظروا عودة الرئيس العماد ميشال عون، لتلمس آفاق الغد، ليواجهوا على مدى الأشهر الخمسة المقبلة، ما لا يعرفون أو يعرفون من مضاعفات ونتائج.

طبعاً، يدركون ان رئيس الجمهورية واجه استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري في مدينة الرياض من رئاسة الوزارة، بالكثير من الحكمة، والصبر. لكنهم أدركوا قبل سفره الى روما، ان الجمهورية بخير، على الرغم من الأزمات، والمشاكل لا تبشر بالخير.

والمغادرة الى العاصمة الإيطالية، والعودة منها، عندما يكون الحبر الأعظم خارج مملكته تعني ان في العاصمة الرومانية كما كانوا يصفونها عبر التاريخ، مخزناً للمعالجات واستيعاب الأزمات. انها اسطورة العناية المقدسة، لان البلاد التي تحتضن في رحابها قداسة الحبر الأعظم، كما كان يقول البابا بولس السادس، هي عاصمة الحل والربط، لا عاصمة الأقدار الصعبة، لان القدر الذي يعيش فيها، هو قدر العطاء، لا مشكلة الأخذ من مقدساتها، وخيراتها العميمة.

بعد اعلان اتفاق الطائف وقيام الطائرات السورية بقصف القصر الجمهوري في بعبدا، ولجوء الرئيس العماد ميشال عون الى السفارة الفرنسية في الحازمية، بطلب والحاح، من السفير الفرنسي في لبنان رنيه ألا، إلا ان الرئيس الياس الهراوي غادر بيروت الى ايطاليا، وفي طريقه جواً الى روما استدعى وزيراً في حاشيته وقال له: ألم يكن افضل لنا وأنسب، لو دخل ميشال عون في التسوية وقصدنا عاصمة الأباطرة ولبنان ليس فيه الا جمهورية واحدة وامبراطور واحد.

بعد أربع ساعات حطت الطائرة في روما، ونزل معظم الركاب منها، باستثناء رئيس الجمهورية الذي استمهل بعض الوقت الطاقم، وراح يقول إن معه في الزيارة وجوها من مختلف الإتجاهات، خصوصاً من أنصار العماد عون، لكننا نريد أن نكون في روما وفداً واحداً، وموحداً.

في اثناء العشاء الذي اعدته الدولة الايطالية لضيفها القادم من بيروت تحلق حوله معظم رؤساء الجمهورية الإيطالية والرؤساء السابقين للحكومة، لكنه قال انه كان يتمنى ان يكون في لبنان رئيس واحد.

بعد لحظات تقدم المسؤول الايطالي السابق اندريوتي جوليو، من الرئيس اللبناني، وقال له بهدوء: هذا هو لبنان، بلد تسوده التعددية السياسية، ويحكمه ويقوده من يستطيع أن يجمع حوله القوى النافذة في الخارج والداخل، ويتولى السلطة فيه من تلتقي هذه القوى حوله.

يعود الرئيس عون الى لبنان، بعد مشاورات في القصر الجمهوري، هدفها تعويم الرؤساء الثلاثة وفي ذهن الجميع الإنتقال من النأي عن أزمات المنطقة الى الحوار حول التقارب بين اللبنانيين.

ويُروى أن الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، أجرى تقويماً لما آلت اليه الأزمة اللبنانية، واستنتج ان قواسم مشتركة، توحد الآراء وقد عبر عنها الرئىس سعد الحريري، في حديث شامل إلى صحيفة نيويورك تايمس كانت أشبه ببيان سياسي يعبّر عن ذهنية السلطة، وهو في مضمونه مواز لسياسة الدولة اللبنانية، وهو يريد البقاء في رئاسة الحكومة، اذا ما أجمع حزب الله وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر على أن يبتعدوا جميعاً عن الخلافات التي تعتري المنطقة من دمشق إلى بغداد وصنعاء ومكة المكرمة في الطليعة.

وخرج سعد الحريري على صمته وجاهر بأن البلد يريد وحدة في الآراء، لا وحدة الطائفة السنية، في مواجهة الطائفة الشيعية او الطائفة المسيحية.

ماذا يريد رئيس الجمهورية؟

وماذا تريد الطوائف الاخرى من إسلامية وشيعية ومارونية وأرثوذكسية وهل صحيح أن ثمة تباينات بين الحلفاء السابقين، وان التقارب بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر حل مكان التقارب بين المستقبل وحزب القوات اللبنانية.

العارفون بالأسرار يقولون ان شيئاً من هذه الافكار بدأ يلمع في الآفاق، لكن، ليس من حزب واحد يريد التضحية بالثنائية المسيحية بين القوات والتيار أو بين الثنائية الإسلامية بين الشيعة والسنّة، عبر اللقاءات التي تعقد في منزل الرئىس نبيه بري في عين التينة، ولعل التفاهم بين القوى جميعاً، على التخلص من الخلافات الحزبية الى الوحدة الجماعية هي عنصر أساسي للتقارب بين الجميع.

طبعاً، ان التباينات تشمل القوى كافة، ذلك أن حزب الوطنيين الأحرار بقيادة الرئىس دوري شمعون او حزب الكتائب اللبنانية بزعامة النائب سامي الجميل، لا يحجب دور العناصر المستقلة في الصف المسيحي، وفي مقدمتها النائبان بطرس حرب ووزير الخارجية جبران باسيل، من دون تجاهل العناصر الأخرى في الأحزاب والقوى الأخرى. مثل الوزير ميشال فرعون، والتي تحاول الإستمرار في الحوار، متكئة على ان وجود العماد عون في رئاسة الجمهورية، هو الضمانة لوحدة القوى المسيحية.

إلا ان الاصرار الآن على إجراء الإنتخابات النيابية في الربيع المقبل كفيل بتقليص الخلافات، لأن هناك اجماعاً على عدم تكرار الوجوه ذاتها في المجلس النيابي المقبل، لان باب التجديد والتغيير مفتوح في أكثر من صعيد سياسي ومناطقي.

إلا ان الموضوع الأهم، في هذه الحقبة الدقيقة، تجاوز حقبة التريث بين الاستقالة وتجميدها أو الرجوع عنها، وهذه أصبحت أقرب إلى التفاهم من الخلاف.

وهذا ما يجعل الحكومة الراهنة باقية إلى حين حلول موعد الانتخابات النيابية، وان لم تحقق إنجازات باهرة لانها لا تضم عناصر من حزب الكتائب اللبنانية.

إلا ان أحداً لا يستطيع ان يُفكر ان هذه الحكومة في الطريق الى انجاز الاتفاق في قطاع النفط والغاز، وانجاز التشكيلات القضائية والديبلوماسية وحل المسائل التربوية التي تشكل عودة الرئيس الحريري الى ممارسة أعماله الرسمية في الأسبوع الحالي، الى خلق تدابير تربوية في الأسابيع المقبلة.

في الأفق بصيص ضوء كما كان يقول في أيامه المفكر والوزير الفرنسي اندره مالرو وزير الثقافة في أيام الجنرال ديغول، وهو ما يرافق الإستقالة التي أعلنها الرئيس سعد الحريري.

وبصيص الضوء صار فجراً في المشاورات السياسية الاخيرة، ذلك ان الرئيس ميشال عون احتوى الصدمة بالحكمة، وصلابة الموقف المتمسك بالكرامة الوطنية قبل عودة الحريري إلى لبنان من فرنسا، والرئىس بري شارك في استنفار العلاقات الداخلية والخارجية لحماية الإستقرار.

هذا من دون تجاهل الادوات التي قام بها الرئىس الفرنسي ايمانويل ماكرون، مؤكداً ان فرنسا لا تزال الأم الحنون، للوطن الصغير وسط كل متغيرات المنطقة والعالم.

والتريث على هامش الإستقالة كانت لها نتائج إيجابية وبنّاءة للمشاورات التي ستعرض نتائجها على المؤسسات الدستورية، لكن الأهم هو التصحيح في الخلل الذي أصاب المؤسسات التي أصابت التسوية السياسية.

ويبدو ان الوقت حان لمواجهة التشاطر اللبناني في الأزمات وحان لإخراج لبنان من الأزمات لصالح التفاهم على سياسات دولة حقيقية أكثر من التسليح بموازين المصالح تحت سقف المصلحة الوطنية.

وهذه من الأسباب العالقة في بعض الإجتهادات، إلا ان الرئىس سعد الحريري، مؤيداً من الرئيس عون ومن رئيس البرلمان نبيه بري قد اجتاح الجميع، ولم يعد له منافس قريب أو بعيد!

وفي معظم الإحتمالات، بات معروفاً ومؤكداً أن الرئيس سعد الحريري اجتاح معظم الإحتمالات الدائرة في فلك بعض السياسيين في طائفته، وأصبح ملك المواقف في طرابلس وبيروت وبعلبك وزحلة، وزعيماً مطلق الصلاحية لمعظم الطوائف.

وهذا إن دلّ على شيء، قبول على تقليص الزعامة السياسية من الحدود الطائفية إلى آفاق الوطن اللبناني بأجمعه.