صحيح أنّ أياماً معدودة ما تزال تفصل عن موعد فتح صناديق الاقتراع في لبنان، إلّا أنه ما يزال من المبكر الحديث عن القانون الانتخابي الجديد وسلبياته والتعديلات الواجب إدخالها عليه.
فجر السابع من أيار ستكون النتائج الرسمية قد ظهرت ومعها مفاجآت من العيار الثقيل. معظم القوى السياسية، إذا لم يكن جميعها، بدأت تشعر بأنها صاغت قانوناً انتخابياً غامضاً في بعض جوانبه وغير مشبَع درساً. وهذا الشعور ناجم من التعقيدات التي ظهرت خلال المرحلة الانتخابية ونسج التحالفات والرهان على النتائج سلفاً.
لكنّ الأهم أنّ هذه القوى قد تصيبها «الصدمة» مع صدور النتائج وظهور المفاجآت والتي ستكون مدوّية في جزءٍ منها. فالعقل السياسي الذي واكب ولادة القانون تعاطى مع بنوده ببعض السطحية ومن الغوص في الأبعاد التطبيقية لهذه البنود، كما أنه أقام تحالفاته وشكّل لوائحَه وهو في خلفية تفكيره يرتكز الى القانون الأكثري الذي طبع تاريخنا الانتخابي منذ نشوء دولة لبنان.
بالتأكيد ستلجأ القوى السياسية في لبنان بعد الانتهاء من «دوشة» تأليف الحكومة الى إعادة فتح قانون الانتخابات وإجراء التعديلات اللازمة عليه والتي ستكون جوهريةً لا شكليّة.
ومن الملاحظات التي ظهرت على سبيل المثال في الانتخابات التي جرت في الخارج أنّ اللبنانيين الذين تحمّسوا لتسجيل أسمائهم والمشاركة للمرة الاولى في انجاز فتح ابواب الاقتراع امام المغتربين، تراجعت حماستهم مع فتح صناديق الاقتراع. ففي الخارج هنالك الاقتراع السياسي الصافي، لذلك آثرت شريحة كبيرة من هؤلاء الانكفاءَ نتيجة التحالفات الهجينة وتوافق الأضاد في اللائحة الواحدة، وإشراك وجوه غريبة عن النضال السياسي الذي ساد لبنان خلال العقد الأخير أقلّه.
وكيف لبعض هؤلاء أن يقترعوا لمرشحهم أو فريقهم فيما ستكون النتيجة الفعلية تأمين الحاصل الانتخابي ليفوز من خلاله المرشح المتحالف معهم إنتخابياً وهو في الحقيقة خصمهم سياسياً، وربما عقائدياً؟
وهو ما يعني بطريقة أو بأخرى تزوير إرادة الناس طالما أنّ الديموقراطية يجب أن تؤمّنَ خريطة وتوازنات نيابية تعكس التوجّهات الحقيقية للانتماءات السياسية للشرائح الشعبية اللبنانية.
وعلى سبيل المثال فإنّ النسبية تفرض وجودَ لوائح تمثل كل منها الجهة الحزبية بنحو صاف، وتتنافس مع اللوائح الحزبية الاخرى بحيث عندما تنال النسبة المتعلقة بها يمكن الركون عندها الى حجمها الفعلي في المجلس النيابي، وهذا غير موجود في اللوائح المؤلّفة والتي ترتكز على خليط هجين وتداخل بين القوى الحزبية ما يضرب فلسفة النسبية.
لذلك فإنّ الاقتراع وفق منطق «صوت واحد لمرشح واحد» يفترض وجود الدائرة الصغرى، فيما الصوتُ التفضيلي هو اقتراع على أساس صوت واحد لمرشح واحد ولكنه قائم ضمن لائحة وعلى أساس دوائر وسطى في افضل الحالات.
لكنّ القوى السياسية والتي بدأت تتداول في الكواليس هذه الملاحظات وغيرها لن تعمد الى تظهير موقفها علناً، لا بل على العكس خشية أن يؤدّي ذلك الى نقاط في غير مصلحتها في عزّ حملة التجييش التي تمارسها لتعزيز فرص الربح.
ولكن بعد الانتخابات وعندما يزول الخطاب الانتخابي ويحلّ مكانه الجدل السياسي الفعلي ستبدأ عملية تحليل النتائج.
طبعاً ثمّة قوى ستحاول تظهير انتصارها وفق عدد المقاعد التي ستنالها، فيما ستنظر التحليلات الجدّية، والتي ستجريها السفارات الغربية خصوصاً، الى حقيقة الربح ضمن كل لائحة.
فالنتيجة الفعلية ترتبط بنتائج اقتراع القوة الصافية لا الأصوات التي جاءت من خارج الغطار الحزبي وأمّنت نتائج قد تكون «منفوخة» أو ربما وهميّة.
كذلك مدى توافق النتائج مع الأهداف التي توخّتها قيادة هذا الحزب أو القوة السياسية. فهنالك داخل الحزب الواحد حتى، نزاع ومراكز قوى وترتيب للأحجام الفعلية. فهل إنّ نجاح احدهم وهو قد يكون معارضاً ضمناً لرئيس حزبه يمكن إدراجه في اطار المكسب أم الخسارة لقيادة الحزب؟
وبعد الانتخابات ورشة لملمة سياسية، ولو أنّ الاستنتاجات التي صاغتها كل قوة سياسية لطريقة التحالفات وخوض الاستحقاق النيابي ستبقى راسخة في خلفية مواقفها السياسية مستقبلاً.
وسيجري العمل مثلاً على إنجاز لقاء يكون بمثابة اجتماع غسل قلوب بين الرئيس سعد الحريري والدكتورسمير جعجع. وتحرّك آخر سيتولّاه «حزب الله» بعد لقاء سيجمع السيد حسن نصرالله بالوزير جبران باسيل بغية تذليل الخلافات قدر الإمكان بين باسيل والرئيس نبيه بري، وبين باسيل ورئيس تيار»المردة» النائب سليمان فرنجية، ذلك أنّ العقد أمام تأليف الحكومة تبدو كبيرة وصعبة، وأنّ تجاوز هذه العقبات لا يمكن إتمامه من دون اعادة تقريب وجهات النظر بين حلفاء «حزب الله».
وفي النتائج المتوقعة للمجلس النيابي الجديد انقسام خريطة المجلس النيابي الى ثلاثة أثلاث:
- الثلث الاول للمجموعة المتحالفة مع سياسة المملكة العربية السعودية وحيث من المفروض أن يكون عمادُها تيار «المستقبل».
- الثلث الثاني للمجموعة المتحالفة مع «حزب الله» والتي تضمّ الحلفاء المتنيّين له.
- الثلث الثالث فمن المفترض أن يضمّ قوى سياسية ستشكّل الوسط بين الفريقين والتي ستضمّ كتلة «لبنان القوي» (التيار الوطني الحر) اضافة الى كتلة تيمور جنبلاط فضلاً عن بعض المستقلّين، مع الإشارة الى أنّ خلافاً يفصل بين باسيل وجنبلاط ويرتكز اساساً الى شكوى كل طرف من أسلوب عمل الطرف الآخر ووجود ملاحظة ثانية بأنّ كتلة جنبلاط وبعد المراحل الماضية الصعبة التي مرّ بها الحزب التقدمي الاشتراكي بات يعتمد سياسة وسطية تميل الى «حزب الله» وفيما «التيار الوطني الحر» بات يحظى بعلاقة وثيقة مع تيار «المستقبل».
وخلال إحدى مقابلاته التلفزيونية الأخيرة سُئل الوزير باسيل عن موقفه ما بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» وكان جوابه أنه سيعمل على «القطعة»، أي موقف وفق كل حالة بحالتها. وعلى ذلك اجاب مسؤول رفيع في «حزب الله» قائلاً إنّ «موقف الحزب سيرتكز «على القطعة» أيضاً.
ففي ملف مكافحة الفساد الذي تبنّاه السيد حسن نصرالله سيباشر وزراء «حزب الله» سياسىة حكمية رقابية بامتياز، وسيتدخّلون في كل ملف وسيعلنون مواقفهم من دون التطلّع الى التحالفات السياسية. فهذه شيء والملفات الصحيحة شيء آخر.