السلطة مشكورة على جهودها في انجاز تسوية لمشكلة من صنع يدها. ومن طبائع الأمور، وسط مخاوف الناس من تطورات دراماتيكية، أن يسعى الرئيس سعد الحريري للتطمين عبر وضع المشكلة ضمن لعبة المؤسسات الدستورية لا كتعبير عن مشكلة في التوافق السياسي. لا بل أن يعيد التذكير بدور التوافق السياسي في انقاذ البلد من أزمة، ويسأل: تصوروا أي مهوار كنّا سنذهب اليه لو حدث الطعن الدستوري من دون أن يكون في البلد توافق سياسي؟ لكن الوقائع تعيد تذكير الجميع بأن التوافق السياسي في أزمة لأنه مبني على ما سمّاه رئيس الحكومة ربط نزاع.
ذلك أن التسوية السياسية التي أنتجت الوضع الحالي محكومة بالحاجة بين وقت وآخر الى تسويات جزئية لمشاكل في ادارة السلطة. فالتوافق السياسي كان على تركيب السلطة. وربط النزاع هو نوع من التساكن تحت سقف الخلاف على السياسات الكبيرة.
فضلا عن ان الوضع الذي أنتجته التسوية السياسية ثابت بالنسبة الى رئاسة الجمهورية ومتحرك بالنسبة الى الحكومة ورئاستها. وما أكدته الوقائع الأخيرة والسجالات التي رافقتها هو انه لا مصلحة لأي طرف داخلي أو خارجي في فرط الحكومة حاليا، بصرف النظر عن الأخذ والرد بعدما قرر المجلس الدستوري إبطال قانون الضرائب وعن الخلاف على سلاح حزب الله والتنسيق مع دمشق. وهو أيضا قدرة السلطة على التنقل بسلاسة خلال أيام وأحيانا خلال ساعات بين الخلافات والاتفاقات.
لكن اللعبة الجيوسياسية في المنطقة دخلت مرحلة دقيقة جدا بالنسبة الى اعادة رسم الأنظمة داخل كل بلد والنظام الاقليمي في الشرق الأوسط بادارة روسيا وأميركا. ولا أحد يجهل لماذا يستعجل حزب الله وحلفاؤه اعلان النصر في حرب سوريا ومدّ تأثيره الى لبنان. فما كان مقبولا من قبل، وهو سياسة النأي بالنفس أو تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية، لم يعد يناسب محور الممانعة والمقاومة الذي يريد أن يكون لبنان جزءا منه. وفي الأساس فان تحييد لبنان كان أقرب الى الشعار منه الى الواقع لأن اللبنانيين ليسوا محايدين. وقمة السياسة السوريالية هي الجمع بين النأي بالنفس عن أحداث سوريا وبين كون طرف فاعل جدا في الحكومة يشارك بقوة في حرب سوريا.
والسؤال هو: ما الذي يفعله التوافق السياسي على تسوية جزئية أمام التطورات والحسابات التي ستزيد من حدّة الخلاف بين العاملين على ربط لبنان بالمحور الذي تقوده ايران وبين الرافضين لهذا الخيار الذي يجعل من الوطن الصغير مساحة جغرافية على خارطة الصراع بين المشاريع؟