IMLebanon

الإحصاءات تحت رحمة المزاج الشعبي… شركات الإستطلاع في حَيرة!

 

كلّما اقترب استحقاق انتخابي في لبنان وتحديداً نيابي، تتقدّم إلى الواجهة، الى جانب الحملات الاعلامية والاعلانية ورفع السقوف الخطابية، استطلاعات الرأي وخُلاصات الدراسات الاحصائية وتحليلات مراكز الأبحاث، حيثُ تُعدّ ركيزة أساسية لاستشراف توجّهات الناخبين، ركيزة تعتمد عليها القوى السياسية المتنافسة لبناء ترشيحاتها وتحالفاتها كما مشاريعها.

 

في انتخابات العام 2018، ومع دخول القانون الجديد حيّز التنفيذ، وهو الذي يعتمد على نظام النسبية في 15 دائرة وصوت تفضيلي واحد ضمن الدائرة الصغرى وحاصل انتخابي كعتبة للنجاح، كان لشركات الاستطلاع مهمّة مركزية لكسر حاجز التطور المستجد على المرشّحين والناخبين على حدّ سواء.

 

اليوم وقبل قُرابة الشهرين ونصف الشهر من الانتخابات النيابية العامة، يُقدّم خبراء الاحصاء استطلاعات متفاوتة في النتائج وفي بعض الأحيان بين استطلاعين وأكثر للشركة نفسها، أو تتّسم الخُلاصات التي تُعرض ببعضٍ من الضبابيّة التي لا تفلح بتقديم صورة كاملة عن خيارات الناس المتوقّعة.

 

في الأسطر التالية، نستعرض نتائج استطلاعات الرأي في دائرتين انتخابيتين هما الشمال الثالثة والبقاع الاولى بشكل مقتضب، بناءً على استفتاءات ميدانية أجرتها شركتا احصاء متخصّصتان لصالح إحدى القوى السياسية، وذلك من دون الاتيان على ذكر المصادر، كون الهدف هو الاضاءة على قدرة الاحصاءات في ملامسة خيارات الارضية ضمن هذه الدورة الانتخابية، لا تقييم أداء شركة من هنا ومركز أبحاث من هناك، مع العلم أنّ الدراسات التالية نُفّذت في الفترة الزمنية نفسها.

 

في دائرة الشمال الثالثة، التي تضمّ أقضية زغرتا، الكوره، بشري والبترون، منح الاستطلاع الاول، لائحة حزب القوات اللبنانية 4 مقاعد، لائحة تيار المرده وحلفائه 3 مقاعد، لائحة التيار الوطني الحر وحلفائه مقعداً واحداً، لائحة حركة الاستقلال وحزب الكتائب والمرشح مجد حرب مقعداً واحداً، لائحة شمالنا صفر مقاعد مع بقائها دون الحاصل بربع نقطة، فيما منح المقعد العاشر لمَن يستحوذ على الكسر الأعلى بين لائحتيّ معوض و»التيار» مع أرجحية للثاني.

 

بينما أشار الاستطلاع الثاني إلى حصول لائحة القوات على 3 مقاعد، لائحة ائتلاف شمالنا مقعدَين اثنين، لائحة المرده مقعدَين اثنين، لائحة التيار مقعد واحد، لائحة حركة الاستقلال مقعد واحد، ومنافسة بين «القوات» وحركة الاستقلال على المقعد العاشر مع أرجحية للأول.

 

هذا التّفاوت في الأرقام بين الدّراسَتَين، حضر أيضاً في دائرة البقاع الاولى التي تضم زحلة، حيث منح الاستطلاع الاول لائحة القوات اللبنانية مقعدين اثنين، لائحة «حزب الله» مقعداً واحداً، وبقيت اللوائح الأُخرى أدنى من بلوغ الحاصل الانتخابي بشكل متفاوت، حيث حلّ أول الخاسرين لائحة النائب ميشال ضاهر، وتلته لائحة الكتلة الشعبية ومن بعدها لائحتا «التيار» والمجموعات التغييرية.

 

أمّا الاستطلاع الثاني، فقد منح لائحة «القوات» مقعدين، لائحة «الحزب» مقعداً واحداً، لائحة ضاهر مقعداً واحداً، لائحة «الكتلة الشعبية» مقعداً واحداً، واعتبر أنّ المقعدين المتبقيين يذهبان لصالح كلّ من «القوات» و»حزب الله».

 

يُجمع الخبراء الذين قاموا بهذه الاستطلاعات، على أنّ أكثر ما يدفعهم إلى توسيع هامش الخطأ هو إحجام نسبة كبيرة من الرأي العام عن تحديد خياراتها وذلك ليس نيّةً في مقاطعة الانتخابات بل انتظاراً لبلورة اللوائح وتلمّس التوجّهات العامّة لها، إضافةً إلى دخول عامل إضافي قد يُطيح بصحّة الأرقام المقدّمة وهو مشاركة غير المقيمين خصوصاً في دائرة الشمال الثالثة وقدرتهم على تبديل كامل المشهديّة من رفع الحواصل إلى نسف قدرة أكثر من لائحة على بلوغه كما إحداث تسونامي اقتراعي في حال صبّ معظمها في اتّجاه واحد. أمّا التّناقض بين أرقام الاستطلاعات التي أُجريت في الوقت نفسه والدائرة ذاتها، فمردّه، بالنسبة للخبراء، هو عدم قدرة العيّنات الانتقائيّة على نقل الصورة العامّة لكلّ الناخبين أسوةً بالاستحقاقات السابقة، وذلك كون التشرذم في الخيارات وعدم حسمها أصاب العائلة الواحدة، ما يُصعّب أخذ صوت أحد أفرادها مثالاً عنها.

 

لا شكّ أنّ حَيرة شركات الأبحاث والدراسات وعدم تمكّنها من حسم الأرقام، هي سابقة في السنوات العشر الأخيرة في لبنان، لكنّه مؤشّر إلى أنّ الارتكاز على أرقام الدورات السابقة لم يعد ينفع كما البناء على الحملات التقليدية لإثارة الحساسية الطائفية والمناطقية والعائلية باتت عاملاً أقلّ وطأة في التأثير على الناخبين وفق ما بيّنت أولويّاتهم الاقتراعيّة التي مالت إلى الهواجس السيادية والهموم المعيشية، وأنّ الحقيقة المطلقة لهويّة المجلس النيابي الجديد والاكثرية البرلمانية في الـ2022 لن تُحدّدها سوى صناديق الاقتراع من بلاد الانتشار إلى قلب كلّ مدينة وبلدة لبنانية.