تسود الساحة اللبنانية الكثير من الملفات العالقة على مستوى الداخل اللبناني والإقليمي والدولي، إنّ المجتمع السياسي اللبناني وبكل أطيافه يعيش حالات إضطراب قـلّ نظيرها في تاريخه الحديث، معطوفة على استقطاب سياسي كبير حيث تَظهّرت الآثار السلبية للحرب في رقعة جغرافية معينة من جنوب لبنان وقد تمتد إلى كل لبنان إذا لم يتُّم تدارك حجم هذا الخطر اللامحدود.
إنّ الصراع الحاصل حاليًا في محيط الجمهورية اللبنانية يُعيد أحداث المنطقة إلى الواجهة بخريطتها الجيوسياسية حيث تتنامى بعض التحالفات لا سيّما في لبنان فيما بين المكوّنات السياسية اللبنانية على حساب السيادة الوطنية وعلى حساب المؤسسات الرسمية وعلى حساب الشعب اللبناني. إنّ واقع هذا المنطق اللاقانوني واللاشرعي يؤدي إلى تباطؤ العمل السياسي السيادي واضطراب في النظام السياسي.
إنّ الجمهورية في حالتها الحاضـرة تعاني أزمة سياسية – أمنية – إقتصادية – مالية – إجتماعية من جرّاء عدم الإلتزام بمندرجات القوانين المرعية الإجراء وأحكام الدستور، فيما تتعطّل المؤسسات الرسمية بسبب الإنقسامات العمودية، وعجز كل الذين يُبادرون إلى مساعٍ لحل أزمة الفراغ الرئاسي مرروًا بمساعي اللجنة الخماسية والموفد الدبلوماسي الفرنسي. إنّ حالة الفراغ في لبنان وإنهيار المؤسسات الرسمية تشكلان خطرًا جيوسياسيًا كبيرًا، علمًا أنّ هناك استحالة كبيرة في التوافق على إعادة تسيير أمور الجمهورية اللبنانية وفقًا لمندرجات الدستور اللبناني المعمول به حاليًا.
إزاء ما يحصل من صراع، لا إمكانية للجمهورية اللبنانية بكل مندرجاتها الرسمية وكشعب على تَحمّل وزر انهيار المؤسسات وإطالة الفراغ في مقام رئاسة الجمهورية ومن حيث المبدأ سيمتد هذا الفراغ إلى بعض المؤسسات المدنية والعسكرية، بات من الواجب إعادة صياغة الأوضاع بشكل شبه قانوني تكون بالضرورة ناجحة بشكل كامـل أو شبه طويلة الأمد، وتحسّبًا لعمق الخلافات بين الدول المسيطرة وارتباطاتها برؤى مختلفة وأيديولوجيات متباينة، ومن حيث المنطق لا إمكانية لنجاح أي مسعى توافقي في الإطار الزمني الحالي.
إزاء ما يحصل من تحديات سياسية – أمنية – إقتصادية – مالية – إجتماعية مرتبطة بهذه الدول المسيطرة على واقع الجمهورية اللبنانية، ومع عدم إمكانية إجراء أي حوار بين المكوّنات السياسية اللبنانية وفي ظل انقساماتها العمودية والهستيرية ولكي لا يكون الحديث عن توصيف الواقع مجرّد “صَف حكي”، ومن حيث المنطق العلمي لمندرجات “العلوم السياسية” واقع السياسة اللبنانية وخطورتها وخطورة الأوضاع التي تُعاش على أي مرجع إقليمي أو دولي يُريد أن يتولى مَسعى لحل الأزمة بكل تفاصيلها، عليه أن يتحلّى عن كامل المثالية والمبدئية ليتم توظيفها من باب الضرورة القصوى وإعادة النظر في المنهج والتصحيح في المواقف المتخذة.
إنّ ما يحصل من حَراك سياسي في هذه المرحلة عنوانه إعادة تنظيم المؤسسات من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية عبر طقم سياسي صُنِّف من قبل الكثيرين بأنه “عاق وغير منتج ومنقسم على ذاته”، أمر مفروغ منه وبات مضيعة للوقت وبات الوضع اللبناني يُشبه من يتأمّل في أمواج متلاطمة ستُغرق الجميع في بحر هائج يحمل الخراب ويُنذر بتسونامي عاتية ستطيح بهذه الجمهورية وبكل مؤسساتها المدنية والشرعية وبالشعب اللبناني.
إستنادًا للفقه الدستوري ونظرًا لخطورة الأوضاع، فإنّ المنطق العلمي يُشير إلى مبدأ توقيف العمل بأحكام الدستور أو ما يُعرف بـ”تعليق قواعده لمدة زمنية محددة”، وهي مدّة تعرف بالمدة الإنتقالية، والأسباب الموجبة لهذا الخيار: الإعتداء على حقوق الناس وعلى الحريات العامة المصانة بموجب هذا الدستور – التعدّي على النص الدستوري وعلى الضوابط القانونية وتظهير الوقائع القائمة والتي تتباين مع مضمون الدستور والأمثلة كثيرة تختصر كما يلي: الإنتخابات النيابية والمقاطعة – التقصير التشريعي – السلاح اللاشرعي المخالف لبنود الدستور (وثيقة الوفاق الوطني) – السيادة المنتهلكة – النظام السياسي المُعطّلْ – الإنقسامات العمودية الطائفية / المذهبية – تضليل الرأي العام…
إنّ صنّاع القرار في لبنان والموفدين العرب والدوليين أمامهم مسارين لا ثالث لهما للخروج من الأزمة الحالية، وهما يتمحوران على الشكل التالي:
1 – وقف العمل بأحكام الدستور لفترة إنتقالية محددة الأهداف.
2 – إعلان حالة الطوارىء العامة في البلاد إستنادًا إلى المرسوم رقم 52 الصادر في العام 1967، حيث تعلن في لبنان حالة الطوارىء أو ما يعرف بالمنطقة العسكرية في جميع الأراضي اللبنانية أو في جزء منها، عند تعرُّض البلاد لخطرٍ داهم ناتج عن حرب خارجية أو ثورة مسلحة أو اضطرابات تهدد النظام العام والأمن أو عند وقوع أحداث تأخذ طابع الكارثة.
وفق العلم السياسي تعتبر حالة الطوارىء نظامًا قانونيًا تتولى السلطة العامة في الدولة وضع أسسه وتطبيقاته ومجالات العمل به، ويهدف إلى مواجهة حالة أو ظروف استثنائية بحيث يسمح بموجبه للنظام الإنتقالي اتخاذ تدابير لا يمكن تطبيقها في الإطار القانوني العادي. لكن يجب التأكيد على أنه لا يجب أن يُفهم من ذلك تعليق العمل بالقانون لا بل التشدُّد في تطبيقه مع تغليب المصلحة العامة على الخاصة.
لتلك الأسباب الموجبة وُجِب على سُعاة الخير، ونظرًا للفشل الذي أصاب مساعيهم الحميدة، اللجوء إلى خطوة تعليق العمل بالدستور وإعلان حالة الطوارىء لإعادة انتظام المؤسسات العامة.