تناقش لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه مشروع القانون الرامي الى تنظيم إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة الذي تقدّمت به الحكومة، بعدما أدخل وزير الطاقة وليد فياض، وقبل لحظات من عرضه على مجلس الوزراء، تعديلات جذرية يمكن وصفها بـ»الانقلابية»، كونها جيّرت الكثير من الصلاحيات لمصلحة الهيئة الناظمة، التي سيتولاها الوزير إلى حين تعيين الهيئة، خصوصاً وأنّ وزراء الطاقة المتعاقبين امتنعوا، ولا يزالون، عن تشكيل هذه الهيئة، ما يجعل من هذه التعديلات، برّاقة في الشكل، ولكنها بالفعل إلتفافة قانونية تجعل من الوزير حاكماً بأمره في هذا المجال.
تكمن أهمية السير بهذا المشروع في هذا التوقيت بعدما فرضت أزمة العتمة التي باتت شبه شاملة، على اللبنانيين اللجوء إلى خيارات بديلة، وأهمها الطاقة الشمسية. ويتناول مشروع القانون انتاج الطاقة النظيفة المتجددة بكافة أنواعها إلى حدود الـ10 ميغاوات ليكون مكملاً للقانون 462/2002 (قانون تنظيم الكهرباء) لا نقيضاً له أو مخالفاً له. وهو يسمح بانتاج الطاقة المتجددة، ويحفّز القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال كون القانون الحالي لا يتيح هذا الأمر فيما المطلوب من القطاع الخاص الدخول في شراكة من خلال بناء منشآت ومعامل من دون الحصول على امتياز بيع الطاقة، فيما المشروع المقترح يفتح هذا الباب.
في التفاصيل، يتبيّن أنّ المشروع الذي وضع على أيدي خبراء تقنيين وقانونيين بدأوا العمل عليه منذ أكثر من سنتين، بتمويل من البنك الاوروبي لإعادة الاعمار والتطوير EBRD وبمشاركة وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان، انتهت مسودته الأخيرة على غير ما جرى رفعه إلى مجلس الوزراء، حيث أقدم الوزير فياض على اجراء رزمة من التعديلات التي غيّرت كثيراً في مضمون النصّ.
وفق أحد العاملين على المشروع، فإنّ النسخة الأساسية تضمّنت صلاحيات عديدة وضعت بين يديّ الهيئة الناظمة، من باب منح المشروع طابعاً مكمّلاً للقانون 462/2002 لكونه قانون إطار ينظّم قطاع الكهرباء ويحتاج إلى تشريعات مساعدة لكي يطال كل المجالات، ومن أهم ركائزه تشركة القطاع الخاص وكسر احتكار مؤسسة كهرباء لبنان على مستوى الانتاج والتوزيع، ليبقى النقل ملكاً للدولة.
وبذلك يكون لهذا القطاع أربعة لاعبين: الهيئة الناظمة التي تضع الاستراتيجيات المتصلة بالقطاع ومنها سقوف التعرفة، شريك أو أكثر من القطاع الخاص في الانتاج، شريك أو أكثر من القطاع الخاص في التوزيع، إضافة إلى المؤسسة العامة للنقل التي ستحلّ محل مؤسسة كهرباء لبنان مع تطبيق القانون 462 وتكون مملوكة من الدولة اللبنانية وتتولى كل ما يتعلق بالنقل وتحصل شركات الدولة للانتاج والتوزيع على 51% في المرحلة الأولى من كل من الانتاج والتوزيع، تمهيداً لمشاركة القطاع الخاص بشكل أكبر بعد تشجيع التنافس.
لهذا، نصّت النسخة الأساسية على تجيير الصلاحيات لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان «أو من يقوم مقامها» (أي الهيئة)، لأنّ القانون يرعى عمليات انتاج الطاقة المتجددة، التوزيع ووضع التعرفة.
لكن التعديلات التي طرأت في الأيام الأخيرة، أعطت ظاهرياً الهيئة الناظمة حيّزاً مهماً من الصلاحيات لإعطاء المشروع طابعاً إصلاحياً كما يريد المجتمع الدولي لكنها تركتها بيد وزير الطاقة «إلى حين تعيين الهيئة»، وهي القطبة المخفية التي تفرّغ المشروع من طابعه الإصلاحي، لأنّ الهيئة لم تر النور مع أن القانون ينص على تشكيلها منذ العام 2002، وبالتالي من سيضمن تعيينها في المستقبل؟
بالنتيجة، يعطي المشروع وزير الطاقة، منفرداً هامشاً واسعاً لدرجة تحديد سياسة انتاج الطاقة المتجددة ومنح التراخيص (خلافاً للقانون 129 الذي يعطي مجلس الوزراء هذه الصلاحية)، وذلك بشكل يتناقض مع ثقافة الهيئة الناظمة ومفهومها، بينما النسخة الأساسية أعطت هذه الصلاحيات لمؤسسة كهرباء لبنان أو من يحلّ محلها، أي الهيئة بعد تشكيلها. كما أنّ وزير الطاقة يمثل جهة سياسية ولو كان من أصحاب الاختصاص، فيما المؤسسة أكثر حيادية والماماً لكونها تعنى بالشبكة ومعامل الانتاج وهي تتضمن 11 مديرية، ولا يجوز بالتالي اختصار كل هذه الادارات وتحويل صلاحياتها الى الوزير، بينما الهدف المرجو من تعيين الهيئة هو إبعاد السياسة عن قطاع فني تقني. كذلك تمّ اغفال دور شركات الانتاج وشركات التوزيع، وبالتالي ضربت مفهوم القانون 462 القائم على كسر الاحتكار. بالنتيجة، منحت النسخة المعدّلة الهيئة الناظمة صلاحيات تفوق ما منحها إياها القانون 462 الذي يعطيها صلاحية وضع سياسة القطاع بشكل عام، ووضع سقف للتعرفة، ومدى كمية الانتاج وتتيح شراكة القطاع الخاص.
وفي بحث سريع في بنود المشروع، يتبيّن وعلى سبيل المثال:
– النسخة الأساسية منحت مؤسسة كهرباء لبنان لمنتجي الطاقة إجازة بربط أنظمة الطاقة المتجددة العائدة لهم بالشبكة العامة، بينما حصرت النسخة الأخيرة دور المؤسسة بربط منتجي الطاقة الحاصلين على إذن بالشبكة العامة.
– النسخة الأساسية تنصّ على أنّه تجيز مؤسسة كهرباء لبنان نظام التعداد الصافي، بينما جاء في النسخة المعدّلة على أنّه «تُعتمد» كافة أشكال وتطبيقات نظام التعداد الصافي. أي أنّه تمّ تجهيل صاحب الصلاحية، وهكذا يمكن للوزير وضع يده عليها.
– كان النصّ الأساسي يعطي المؤسسة صلاحية وضع نظام خاص للتعداد الصافي، صارت في النسخة الأخيرة من صلاحية الهيئة الناظمة. كذلك الأمر بالنسبة للإجازة لمنتجي الطاقة من أنظمة الطاقة المتجددة التي تستوفي المواصفات الفنية، الربط على الشبكة العامة. كما بالنسبة لإصدار الأنظمة والقرارات اللازمة لتمكين شراء الطاقة المتجددة بين المنتج والمستهلكين خارج الموقع.
– يُختتم المشروع بنسخته الجديدة ببند سابع يقول: «بشكل موقت وريثما يتمّ تعيين أعضاء هيئة تنظيم قطاع الكهرباء والاضطلاع بمهامها، يتولى وزير الطاقة والمياه صلاحيات الهيئة في ما خصّ تطبيق أحكام القانون. وهنا جوهر الانقلاب».
الخشية من أن تقود هذه التعديلات الى واقع يحول دون القدرة على تطبيق القانون بسبب التناقضات الواردة ضمنه، وسيؤدي حكماً إلى تفريغ مؤسسة كهرباء لبنان من دورها، عبر تكريس ذلك قانوناً.