شكّل انتصار المقاومة الإسلامية في العام 2006 في معانيه المتكاملة فجراً آخر صاغ فيه المقاومون منذ اللحظة الأولى بشارة الهزيمة لجيش العدو الصهيوني، وكان الإحساس ناجزاً أننا نخوض حرباً سنخرج منها بنصر تاريخي. هذه الطمأنينة والسكينة وحالة اليقين ما هي إلا ترجمة واقعية لمسار مقاوم أتقن من خلال المثابرة والتضحية بثبات نحو هدف واضح ومحدّد، كيفية الوصول إلى أن يكون عاملاً وأساساً في تأطير المعادلات وفق منظوره الاستراتيجي بحيث أصبح عمله المقاوم في كمّه ونوعه وفي سياقه التراكمي يخرج عن مألوف، ولا ينظر إلى انتصار اللحظة ولا ينبهر بإنجاز التحرير في العام 2000، ولا يكتفي بالعيش على الأمجاد التي حققتها سواعد مجاهديه ودماء شهدائه وصبر شعبه وتضحياته.
هذه المقاومة التي ما انفكت تعلن منذ لحظة التحرير أنها على جهوزيتها لمقارعة العدو وأنها بشكل واضح تبني ترسانتها على المستويات كافة، كان من الطبيعي والحتمي الذي لا يقبل الجدل أن تدخل المعركة في 2006 وأن تذهب إلى نصر ليس كأي نصر، فليس الأمر صموداً وحسب، وليس إفشالاً لعدوان «تباهى» بأنه يريد سحق «حزب الله» والمقاومة وحسب، وليس كسر إرادة محور الشر الأميركي وأذنابه ومبايعيه في العالم العربي ولبنان، وإنما الدخول في طور آخر من الصراع مع العدو الصهيوني، لم يكن يتوقع قادة العدو ومَن معهم أن يصبحوا في مواجهته، لقد دخل في قاموس العدو توازن رعب مقيم ما زالت آثاره ونتائجه تتبدى بشكل صريح فيما ينتاب العدو من قلق فعلي على أمنه ووجوده ومسارات فقدان الكثير من ميزات التفوق التي تسمح له بالتحكم في مفاصيل الأمور.
إن إنجاز 2006 تبدو عظمته وآثاره المجيدة على امتداد السنوات التسع المستمرة بالانطباع فيه. إن نظرة مدققة وموضوعية في آن، تبرز أن النصر بمفاعيله المختلفة شكل سداً منيعاً في كل الفترة التي مرّت، بوجه أي محاولة من الكيان الغاصب في استفراد لبنان أو مهاجمته بالرغم من كل الفوضى والتخبط التي تعتري المحيط العربي بأكمله ولنا أن نتخيل لو أن المعادلة مختلة، أين أصبح لبنان من الجهة الصهيونية؟
إن هذا السؤال على بساطته يشكل جوهراً فعلياً لكل منظومة الحماية التي يتمتع بها لبنان وهذا جزء من دلالات الانتصار ومفاعيله الفورية، ولكي تتسق الأمور في سياقاتها الحقيقية، لا يمكن الفصل بين قوة المقاومة وانتصارها وحضورها واستعداداتها وبين الفعل المقاوم الذي تؤديه على المقلب الآخر من الحدود، وهو فعل وفّر حماية للبنان واستقراراً تفتقده دول كثيرة..
إن كل ما تقوم به المقاومة من مهام دفاعية هو جزء من واجبها الذي يرتكز على معتقدها الإيماني الجهادي بمفهومه الإنساني العميق الذي يجعلها تقف إلى جانب القضايا المحقّة من هنا إلى بلاد تشافيز وما بعدها.
لذا فإن الخوف الكامن في نفس العدو الصهيوني الذي يرى تعاظم المقاومة بعد سنوات نصرها، هو في العمق من فرض المقاومة نظريتها في حقل مقارعة العدو القائمة على «النصر المستدام» وقرن قولها بفعلها المستمر، ما يؤكد أن النظرة صحيحة وأن الطرف الآخر للمعادلة بالنسبة للعدو هو «الهزيمة المستدامة»، وهذا هو لبّ الموضوع وقلق الاستراتيجية ورعب الواقع واختلال الحسابات. إنها معادلة المقاومة «النصر المستدام»، فانتبهوا.
(&) قيادي في «حزب الله»