إذا كان الجيش اللبناني لا يستطيع تحرير عرسال وجوارها من قبضة جماعات «داعش» وأخواتها، لأنه يفتقد « تغطية سياسية» بحسب الأعراف المعمول بها في لبنان. وإذا كان العتاد اللازم لكفاح هذه الجماعات غير متوفر بإنتظار إتفاق السعوديين والفرنسيين على أنواع السلاح التي يمكن أن تعطى للجيش، دون أن يسبب ذلك إزعاجا . يكون الأخيرون، أي السعوديون والفرنسيون، طرفين فاعلين في قضية تواجد «داعش» في عرسال.
بالتالي إن عدم توفير «التغطية السياسية» الحكومية، للجيش من أجل إخراج جماعات «داعش» من المواقع التي تحتلها في عرسال وجرودها، يساوي عمليا منح هذه الجماعات «التغطية» لكي تستمر في أنشطتها العسكرية والسياسية على الأراضي اللبنانية، ومن ضمنها خطف العسكر، وتعذيبهم وتقتيلهم واحدا تلو الآخر . إلى أن تنضج شروط المقايضة أو الصلح!
إن مقاربة هذه المسألة بمنظار إنسان عادي، يعيش في بلاد الأرز أو بالأحرى يتمنى أن يتمكن من العيش في ربوعها، توصلنا إلى مفارقات غريبة. إذ من المعروف أن «داعش» تمثل في الراهن الوجه الحقيقي، لما سُمي زورا، بـ«الثورة» في سوريا. إستنادا إليه، كان من الطبيعي أن ينشأ تعاون وتنسيق بين الجيشين السوري واللبناني، لردع «داعش»، بما هي عدو مشترك للبنان ولسوريا. هذا لم يحدث، لأن الحكومة اللبنانية رفضته. رغم أن عناصر «داعش» تغلغلوا في البلاد. فقاموا بتفجير السيارات في الأماكن العامة واعتدوا على حواجز الجيش ونزلوا في فنادق العاصمة وتلقوا العلاج في مستشفياتها ودخلوا مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ومخيم عين الحلوة خصوصا.
أما بالنسبة للعتاد العسكري الذي يحتاجه جيش البلاد، فإن الجهات التي أعلنت بنفسها أنها توكلت بملفه، تبدو غير مستعجلة أو غير جادة . ما حمل الروس، ثم الإيرانيين، على تقديم عروض تسليح، تناهى إلى السمع أن بعضها على شكل هبات مجانية . ولكن حكومة لبنان إختلقت الأعذار من أجل رفضها . كأن الرهائن من العسكر اللبناني موجودون لدى «بوكو حرام» وكأن عرسال بلدة في نيجيريا.
لا يخفى على أحد، أن الولايات المتحدة الأميركية مباشرة، أو بواسطة أتباعها في تركيا وفي مجلس التعاون الخليجي، تمد «داعش» عسكريا وماديا وتموينا . فسلاح هذه الأخيرة أميركي، دباباتها ومدافعها صناعة أميركية، يقال أن الجيش العراقي تخلى عنها . النفط الداعشي تسوقه تركيا. المرتزقة يدخلون عبر الحدود التركية . بعد أن ينهوا فترات التدريب في المعسكرات المنتشرة في المنطقة، بالإضافة إلى معسكرات ليبيا وقواعد الجنوب التونسي. ما أود قوله، ان مجلس التعاون الخليجي ودول الغرب الإستعماري وتركيا، لا يلتزمون بقرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى التوقف عن مساندة «داعش»، وإلى مقاطعتها ومحاربتها . وحدها الحكومة اللبنانية تلتزم بقرارات أميركية وأوروبية، أحادية الجانب، تفرض هذه الدول بمقتضاها عقوبات على روسيا وإيران وسوريا.
يطرح بعض محترفي السياسة في لبنان حلولا لقضية عرسال تقوم على مبدأ المقايضة. أخشى ما يخشى أن لا يكون القصد فقط هو الحرية للعسكر مقابل إطلاق سراح الإرهابيين المعتقلين في سجن رومية، وإنما يتعدّ حدود ذلك إلى ما هو أبعد وأشمل . اللبيب من الإشارة يفهم!.