تفردت السويد بنموذجها الفريد في مواجهة وباء عالمي وفاجأت باقي الدول حين لم تعلن حالة طوارئ ولا تعبئة عامة ولم تفرض حجرا منزليا، كذلك سلطاتها التي لم تعلن الاقفال التام كما باقي الدول لمنع انتشار الفيروس لاعتقادها أنّ هذه الاستراتيجية غيرُ صائبة ومفيدة، معتبرة ان الدول التي اتبعت هذا النهج ستجد نفسَها بعد أشهر من الإقفال في مواجهة جديدة مع الفيروس.
تحوّلت السويد نموذجاً فريداً بين الدول التي تواجه “كوفيد- 19”. تحترم حقوق الانسان بشكل كبير. لديها مفاهيم راقية على هذا الصعيد، لذا، من غير الممكن أن تُجبر المواطنين على التزام منازلهم باعتباره تعدّياً على حقوقهم، لذلك، وسْط هذه الأزمة، هم يُصدرون توصيات وتنبيهات وتعليمات توعوية حول خطر الفيروس، ويدعون المواطنين لاتخاذ كلّ الاحتياطات، لجهة عدم الاختلاط مثلاً، والتجمّع، والتباعد الاجتماعي Social distancing، وارتداء القفازات والكمّامات، والقيام بكافة أشكال التعقيم، والتنبّه والوقاية جيداً، من دون إصدار قرارات رسمية تفرض الوقاية على الناس، وتلزم إقفال المؤسسات التجارية والأعمال، لإيمانها بأنّ الناس ستحترم هذه التوصيات.
الخبراء والاستراتيجية
هذه الاستراتيجية يدافع عنها الخبراء السويديون، الذين يبرّرون للدولة عدم اتخاذ الاجراءات القاسية. فبرأيهم، البلدان التي تقوم اليوم بإقفال حدودها ومصانعها ومؤسساتها وأعمالها كافة، ستعود بعد فترة لتستأنف هذه الأعمال، من دون أي تأكيد على أنّ الوباء سيكون انتهى فعلاً، فيُعاد انتشاره مجدداً.
الدانمارك على سبيل المثال، بعد إقفال دام نحو أسبوعين وانتقادات وجّهت إلى السويد، هي بصدد استئناف الحياة الطبيعية، مع توصيات بالوقاية، على رغم انّ الفيروس انتشر هناك وأصاب داراً للعجزة، كما حصل في السويد ايضاً، وأودى بحياة عدد منهم.
لذا، يرى الخبراء السويديون، أنّ الحلّ لا يكون بإقفال البلد، مع تيقنهم انّ الوباء سيحصد الكثير من الضحايا.
هذه السياسة تزعج الكثيرين، وخصوصاً المقيمين منهم، وتحديداً العرب واللبنانيين، الذين يخافون من عدم وجود إجراءات وقائية. لكنها في الوقت نفسه، تُقنع آخرين. فعلى سبيل المثال، العديد ممّن ينتمون إلى الجالية البولونية في السويد، راضون عن الإجراءات المُتخذة، ويصفونها بأنّها منطقية وعقلانية في هذه الأزمة الصحية. ففي بولونيا مثلاً، السلطات فرضت حظراً للتجوّل، وإقفالاً تاماً، مع غرامةٍ عالية جداً في حال المخالفة، لكن هذا لم يمنع الفيروس من الانتشار، ويتخوفون من أزمة اقتصادية كبيرة في البلد.
خوف اللبنانيين
يختلف اللبنانيون في نمط تفكيرهم ورؤيتهم عن السويديين. “ما يزعجنا، تقول رنا م. وهي مقيمة في استوكهولم، إنّ الاجراءات المتخذة في البلدان الأخرى تجعل الجميع متساوين، بمعنى انّ الجميع ملزم بالبقاء في منزله، اما في السويد، فالمسألة تختلف، فمن يستطيع أن يعمل من منزله اخذ خيار التزام المنزل، فيما انا كمعلّمة مجبرة على الذهاب يومياً الى المدرسة”.
وتشير المعلومات، إلى أنّ الاصابات ناهزت الـ7 آلاف، وانتشر الفيروس بكثرة في المناطق التي تضمّ المهاجرين، من اكراد وايرانيين وسوريين، وخصوصا لدى الجالية الصومالية. لأنّ هذه المناطق تشهد كثافة سكانية، وأبنية كثيرة، يعيش فيها مهاجرون بأعداد كبيرة ضمن المنزل الواحد، مما يسهل انتشار الفيروس سريعاً. والوفيات الأكبر هي ضمن الجاليات الصومالية وتليها الايرانية.
اللبناني شمعون ي. الذي يعيش في ولاية falun، البعيدة عن استوكهولم نحو 4 ساعات، والتي تمتاز بطقسها الجليدي، يشكو من الإجراءات الخجولة التي تتخذها السويد، علماً أنّ ابنه في العاصمة، وأصيب بالكورونا هو وابنه أيضاً، ويلازمان المنزل مع عائلة تضمّ 8 أولاد إضافة الى زوجته، وبالتالي، هناك تخوّف من انتقال العدوى إليهم، خصوصاً انّ المستشفى لم يستقبلهما، بل طالبهما بملازمة المنزل وتناول الدواء إلى حين الشفاء.
وفي falun، القطارات تسير بشكل طبيعي، التاكسي، المطاعم، الحياة طبيعية جداً، وكأنّ شيئاً لا يحصل في العالم، ولا من إجراءات وقائية يتخذها السكان بحدّها الأدنى، وهذا أمر مخيف.
تقول كريستينا ض. إنّ “هناك العديد من الوفيات، وخصوصاً لدى العجزة. لذلك المطلوب إجراءات أكثر تشدّداً من الحكومة السويدية”.
اللبنانيون الذين يعيشون بعيداً عن استوكهولم، لا يتواصلون مع السفارة اللبنانية كثيراً. يصفون الواقع بأنّه كابوس و”جهنم الحمرا”. ويقولون: “فليطبقوا توصيات منظمة الصحة العالمية، ولا نريد أكثر”.
النظام الطبي
على الرغم من أهمية حجم القطاع الطبي الذي تمتلكه السويد، لناحية الأبحاث الطبية أو اللقاحات، إلّا أنّ هذا القطاع يعاني حالياً من أزمة، شهدتها المستشفيات أخيراً، كما علمت “الجمهورية”، تمثلت باستقالة ورحيل العديد من الممرضين والممرضات من دون معرفة الأسباب. لذلك هناك علامات استفهام حول قدرة النظام الصحي السويدي على تخطّي أزمة “الكورونا”.
ويعاني الجسم الطبي من نقص في فحوصات الـPCR، وبالمعدات الطبية والوقائية، كأجهزة التنفس الى القفازات والكمامات والالبسة، لكنهم يعملون على تغطية هذا النقص.
المشكلة التي يصادفها من يعيش في السويد، أنّ المستشفيات لا تستقبل من يشكو من عوارض “الكورونا”، فيُطلب منه البقاء في المنزل، وتناول الدواء (chloroquine. Remdesivir) إلّا في الحالات القصوى، كأن يتعرّض لضيق في التنفس.
السفارة اللبنانية
يقول سفير لبنان في السويد حسن صالح لـ”الجمهورية”: “كلُّ دولة لديها استراتيجيتها الخاصة وعلينا احترامها. المعرفة العلمية بفيروس “كورونا” ليست قديمة، ولا تراكم للخبرات لتحديد معايير التعاطي مع هذا الموضوع، لذا، فإنّ كل دولة تضع الاستراتيجية التي تناسبها”.
وإذ يشير إلى أنّ “الحكومة السويدية بدأت ترفع من حجم الإجراءات، وتخفّض من نسبة التجمّعات”، يكشف صالح عن “وجود 5 حالات إصابة بكورونا في صفوف الجالية اللبنانية، واحدة لا تزال في العناية المركّزة وتتماثل للشفاء، واثنان لم يدخلا المستشفى، إضافة إلى تسجيل حالتي وفاة”.
ويؤكّد أنّ “السلطات في السويد لا تميّز بين مواطنيها والمقيمين. فاللبنانيون يُعاملون كما يُعامل المواطن السويدي. والدولة هنا، تشدّد على العدالة والمساواة بين الجميع”.
وأشار صالح، إلى أنّ “عدد اللبنانيين في الدول الاسكندنافية الذين تسجلّوا للعودة إلى لبنان يبلغ عددهم نحو 300 من بينهم 228 شخصاً من السويد”.
بين الصين والسويد
فاجأ النموذج السويدي الكثيرين. هناك رأي ينتقده وآخر يدعو الى دراسة هذه التجربة. ومع عدم وجود معرفة علمية مسبقة بهذا الوباء، من المفيد العودة إلى ما قاله كبير علماء الأوبئة في السويد أندرس تيغنيل في 17 آذار، “إنّه امام كل حالة مصابة مبلّغ عنها يوجد 10 اصابات غير مبلّغ عنها”. وبالتالي، بانتظار أن يحدّد الوقت صحة التجربة السويدية، من الضروري الاقتداء بالإجراءات التي اتخذتها الصين، والتي لا شك خففت بشكل كبير من انتشار الوباء.