فلسفة العلاقة بين الدولة وبين المواطن، أن المواطن هو الذي يختار الدولة التي تدير له شؤونه في مقابل الضرائب التي يدفعها.
الدول المتقدمة هي تلك التي يُتاح فيها للمواطن أن يختار، بحريّة مطلقة، الدولة التي سترعاه، وهذا ما يسمى بالديموقراطية الحقيقية عبر انتخابات نيابية فيها أعلى درجات الشفافية، فتتكون عندها السلطة التي تحدد أولويات تقديم الخدمات للمواطن الذي انتخبها، فتكون الخدمات، وفق الأولوية، في مقابل ضرائب يدفعها المواطن.
إذا أخذنا هذه المعايير فهل هذا هو ما يحدث في لبنان؟
أبدًا على الإطلاق، فما يجري قائم على معادلة فيها عيوب، وهذه العيوب هي التالية:
مجلس نيابي يُكمِل بعد شهور ولاية ثانية، الاولى كانت بالإنتخاب، والثانية كانت بالتمديد، إذا كان العنصر الأول من تكوين السلطة مشكوك بتمثيله للناس، فكيف بإمكانه في هذه الحال أن يُحاسب السلطة التنفيذية، التي هي الحكومة؟
عند هذا الحد، تشعر الحكومة بأنها مطلقة اليدين في تقرير ما تراه هي مناسبًا، من دون أن يكون ما هو مقرر من أولويات الناس، وليس فقط هذا، بل يرتب أعباء مالية غير ضرورية على الإطلاق وبالإمكان معالجتها من دون تكلفة المواطن.
مثال على عيوب الاولويات وعلى إرهاق المواطن في ما يمكن تأجيله، هو تغيير لوحات السيارات:
ينطلق المشروع من كون أن هناك لوحات مزورة موضوعة على آلاف السيارات وان هناك لوحة واحدة موضوعة على أكثر من سيارة.
هل يستلزم هذا الأمر تغيير كل اللوحات وتحميل المواطن اللبناني أعباء هذا التغيير؟ أليس لدى الحكومات مشاريع تدخل أموالاً الى جيوب اللبنانيين بدل اخراج أموال منها؟
إذا كان هناك من تزوير، فلماذا لا تتم معالجته؟
الأجهزة المعنية تعرف أين يتم صب اللوحات، فلماذا لا تتشدد في مراقبة الأمكنة حيث يبدأ التزوير، بدل تغيير كل اللوحات؟
إذا وجدت دولة ما تزويرًا في أوراق العملة من فئة المئة دولار فهل تعمد الولايات المتحدة الأميركية الى تغيير فئة المئة دولار في كل العالم أم تتشدد في ملاحقة المزورين والكميات المزورة؟
ثم إذا كان الموضوع حيويًا الى هذا الحد، فلماذا لا يتم انجازه تباعًا وفق الآلية التالية:
عندما يشتري المواطن سيارة، يصار الى وضع اللوحة الجديدة عليها.
عند سحب سيارة من السير، يصار الى الغاء لوحتها، واذا أراد صاحبها وضعها على سيارة جديدة، فإن اللوحة الجديدة توضع وفق المعايير الجديدة.
إذا تم ضبط لوحات مزورة، فانه يصار الى تغريم صاحب اللوحة بقيمة مضاعفة جدًا ويتم إرغامه على تركيب اللوحة الجديدة.
يصار الى توجيه إنذار الى المخالفين والمزورين بتحديد مهلة زمنية لتبديل لوحاتهم، تحت وطأة الاستدعاء والسجن والغرامة، أما الذين يلتزمون بالمهل فيتم إبدال لوحاتهم، على حسابهم، من دون عقوبة.
هكذا لا يتساوى المخالِفون مع الذين يطبقون القانون ويدفعون الرسوم، فلا تصح معاقبة المواطن الصالح والمواطن المزور على حد سواء.
نقول هذا الكلام بصرف النظر عمّن يقف وراء المشروع، ولا نتلفت الى ما يُقال حول خلفياته من مصالح أو ما شابه، أو ما يسمع، أو ما يحكى. هذا الموضوع نتركه لهيئات الرقابة من ديوان المحاسبة الى النيابة العامة المالية. كل ما يعنينا من الأمر انه على الحكومة أن تتوقف عن اعتبار ان لا إنجاز الاّ من خلال سحب أموال من جيوب المواطنين.