Site icon IMLebanon

سايكس- بيكو في مئويته وسط الزلزال مقسِّم المنطقة يثير المخاوف من تهاويه

في الذكرى المئوية الاولى (هل ستكون هناك مئوية ثانية؟) لاتفاق سايكس – بيكو، الذي اعلن في 16 ايار 1916، لم تبدد كل التأكيدات او التطمينات التي قدمتها كل من روسيا والولايات المتحدة عن التمسك بسيادة دول المنطقة ووحدتها المخاوف مما يمكن ان تؤدي اليه الزلازل التي تضرب عددا من دولها ولا سيما العراق وسوريا . ثمة مفارقات كبيرة غيرت المفاهيم التي احاطت بهذا الاتفاق الذي كان سبباً في نكبة العرب يوما وغدا ملاذا مما هو اسوأ راهنا. المفارقة الاولى المهمة في هذه الذكرى ان مؤسس النظام السوري الرئيس حافظ الاسد كان حديثه المفضل أمام زواره الغربيين التنديد بما فعل اتفاق سايكس _ بيكو “الاستعماري” في المنطقة في سعيه الى جعل سوريا الرقم الصعب في المنطقة واستعادة ما يعتبر ان هذا الاتفاق سلخه عن سوريا من دول الجوار وتاليا محاولة قلب مفاعيله بدءا من لبنان. يرد ذلك في كل مذكرات الديبلوماسيين الذين التقوه واستمعوا الى محاضرات لساعات طويلة حول اضرار اتفاق سايكس- بيكو . لم يعد يحتمل الكلام او التنديد بهذا الاتفاق الترف السياسي السابق. فاذا فتح الباب امام نقضه، فليس على الاقل وفقا لمعادلة ضرب مؤمرات الاستعماريين القدامى ولا استعادة مجد تاريخي قديم بل على العكس من ذلك. فالنظام في سوريا اليوم في زمن خليفة حافظ الاسد بات في الاتجاه المعاكس في ظل الاثمان الباهظة للمحافظة على السلطة وهو يستقتل من اجل المحافظة على ما سرى على تسميته ” سوريا المفيدة” خصوصا مع سعيه الى اعادة السيطرة على حلب كحل بديل محتمل من القدرة على استعادة السيطرة على كل الاراضي السورية. انطوت عقود من النظريات والمحاولات لتجاوز معادلة سايكس – بيكو من دون جدوى. وتم وقف نسفها مرة على الاقل خلال الحرب الاهلية في لبنان حين هدد المسيحيون بالتقسيم وطالبوا بدولتهم في لبنان. نشأ خوف من دولة صغيرة يمكن ان تستدرج تدخلا غربيا لحمايتها كما يمكن ان تستفز نشوء كيانات طائفية ومذهبية تبعا لاقليات المنطقة. كانت الرغبة في نسف اتفاق سايكس- بيكو من ضمن الخريطة الاكبر كما فعل حافظ الاسد بالنسبة الى لبنان او ما سعى اليه صدام حسين لاحقا في الكويت. ومع ان الروس يقولون بوجود آراء تتحدث عن امكان ان يعيد بشار الاسد توحيد سوريا تحت سلطته، فان ثمة تجاهلا لاسس ما برره الاسد الأب في دعم التغيير السياسي في لبنان في بداية الحرب لجهة وجود متغيرات لا يمكن العودة فيها الى الوراء ، من دون ان يعني ذلك استحالة اعادة توحيد سوريا انما مع الاسد؟

كانت فلسطين ايضا ضحية اتفاق سايكس- بيكو في ضوء وعد بلفور البريطاني الذي اعطى الاراضي الفلسطينية لاسرائيل ولا يزال الاتفاق مشؤوما نتيجة لذلك بعدما اسس لنظرية المؤامرة التي بات يؤمن بها العرب نتيجة خداعهم من دول الاستعمار في المنطقة. الا انه خلال عقود طويلة لم تنجح محاولات قلب هذا الاتفاق او نقضه في الوقت الذي ما بات معنيا باتفاق سايكس – بيكو راهنا هو العراق وسوريا اكثر من فلسطين. والمفارقة الاخرى انه وفيما جرى خلال عقود شيطنة هذا الاتفاق غدا القلق اكبر من اطاحة الحدود التي صاغها خوفا من شرذمة دول المنطقة دويلات طائفية او مذهبية او اتنية خصوصا بعد بروز تنظيم الدولة الاسلامية ” داعش” الذي لم يساهم في ازالة الحدود بين العراق وسوريا فقط بل ايضا في تظهير وبلورة كيانات طائفية تنحو حتى الى الحكم الذاتي كما هي الحال مع الاكراد في العراق وفي سوريا او ايضا مع السنة في العراق في انتظار اتضاح مآل تطور الوضع في سوريا. اما المفارقة الثالثة فتتمثل في واقع انه فيما يتم نعي الاستعمار القديم الذي تولته كل من بريطانيا وفرنسا انطلاقا من ان حركات الربيع العربي في بعض دول المنطقة هزت اسس هذا الاستعمار واركانه، يجري التطلع الى حلول يأتي بها الخارج مجددا لحروب المنطقة ويتم الطلب بقوة من هذا الخارج ان يساهم، وهذه المرة تحت سقف اتفاق اميركي روسي مثلا بالنسبة الى سوريا، في صياغة مساعي الحلول بعيدا من الاستعارات السابقة في المنطقة، وفي دعم مبرر ولكن مشبوه للاكراد مثلا يظهر امكان تحكم الدول الخارجية بخرائط المنطقة من جديد. هناك من يثمن مساعي الرئيس باراك اوباما لجهة تراجعه عن التدخل في الشأن السوري او صياغة الحلول لليبيا او سواها باستثناء العراق انطلاقا من ان ذلك مسؤولية الولايات المتحدة بعد احتلاله، لكنه على الاقل في منطقه الاكاديمي بالنسبة الى هؤلاء يبرر تراجعه عن الانخراط في المنطقة بضرورة ان يقرر ابناؤها او قادة المنطقة مصيرها. وهذا امر مبدئي جيد بالنسبة الى من يرى ايجابيات في موقف اوباما ، الا ان هناك من لا يعتقد ان في امكان اي ركيزة للحل ان تنطلق من دون مساهمة او انخراط فعلي للولايات المتحدة ان لم يكن قيادتها لهذا الحل. وذلك فيما تسعى الدول الاقليمية الى عدم ترك الولايات المتحدة وروسيا يفصلان خريطة سوريا او سواها كما تريدان، علما ان كلا منهما ترفض مبدأ تغيير حدود دول المنطقة راهنا او تقسيمها استنادا الى ما يجري فيها من سعي واضح الى نقض كل النظريات التي ظهرت في الاعوام القليلة الماضية وسط استعار الحرب السورية .