IMLebanon

«سايكس ـ بيكو» تهتز.. ولا تنهار

يجمع المتورطون، مباشرة او غير مباشرة، في الحرب السورية على عدم المسّ بحدود الدول العربية في الشرق الاوسط، كما يجمعون على محاربة تنظيم «داعش» الوحيد الذي نجح في اسقاط الحدود بين سوريا والعراق. يدلّ ذلك على ان اتفاقية سايكس – بيكو، في ذكرى توقيعها المائة، ما زالت قائمة وإن اهتزت، وأن الوقت، اقله في المدى المنظور، لم يحن بعد للحديث عن تغيير خرائط برعاية اميركية-روسية هذه المرة.

فالاتفاقية على تقاسم ارث الامبرطورية العثمانية في المنطقة انجزتها بريطانيا وفرنسا في 16 أيار عام 1916 اثر انتهاء الحرب العالمية الاولى، باعتبارهما المنتصرتين من دول الحلفاء على دول المحور الذي انخرطت فيه السلطنة. اما روسيا التي شاركت في مفاوضاتها وفي التوقيع فقد انسحبت بعد ان اطاحت الثورة البلشفية عام 1917 بنظام القياصرة. ويذكر متابع لبناني لتطور احداث تلك الفترة بأن وصف السلطنة بـ«الرجل المريض» اتى اولاً على لسان القيصر الروسي الكسندر الاول.

صحيح ان تقاسم الدولتين حينها رسمته اهداف الحكومتين الجيوسياسية التي اهملت الوقائع الدينية والتاريخية، لكن المطروح في حال سقوطها، سيؤدي برعاية اميركية – روسية الى تقسيمات اكثر تفتتاً على اسس طائفية ومذهبية وحتى اثنية. لذا فالتخوف مما قد ينتج عن انهيار كامل الاتفاقية مشروع خصوصاً في ظل انعدام الثقة بالدول الكبرى، فيما عالمنا العربي يمر بأشد مراحل ضعفه مع حروب داخلية وتدخلات خارجية بعد انهيار الديكتاتوريات اثر ما اصطلح على تسميته ثورات الربيع العربي.

الاتفاقية اهتزت ولم تسقط، وفق باحث مطّلع. هي لم تسقط نهائياً رغم تقسيم السودان الى دولتين شمالية وجنوبية، وتقسيم فلسطين عملياً الى ثلاث: غزة والضفة الغربية وما تحتله اسرائيل اضافة الى ما يشهده العراق وسوريا وليبيا واليمن على الاقل.

اول من بشّر بسقوط «نهائي» للاتفاقية هو «داعش« عندما نجح مسلحوه في حزيران عام 2014 بضم مناطق سيطرتهم في العراق الى مناطق سيطرتهم في سوريا. ثم الاكراد بلسان رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني عندما قال «لست وحدي من يقول انها انتهت». 

وكما كان الاكراد ابرز الخاسرين من الاتفاقية بسبب التراجع عن وعود بالحصول على دولتهم، هناك الفلسطينيون بسبب «وعد بلفور« والذي لا يعتبر مطلقاً من بنود الاتفاقية اذ تلا توقيعها بعام كامل، رغم أن البعض يعتبر ان الاتفاقية شكلت مقدمة لهذا الوعد الذي اعطاه البريطانيون لليهود لإقامة دولة لهم في فلسطين.

لكن ورغم هذه المواقف، وما تسرب في الصحف من خرائط عن تقسيم 5 دول عربية الى 13 دولة، يبدو الانهيار مستبعداً، وإن ادرج البعض ترويج مقولات اللامركزية والفيدرالية والكونفدرالية كمقدمات لذلك، وفق المصدر نفسه. فالتحولات في موازين القوى الدولية تجعل من اعادة ترسيم الحدود مسألة بالغة الصعوبة، اضافة الى ان تواجد قوى مذهبية مسلحة او حتى ارهابية على مساحات جغرافية واسعة يتطلب تفاوضاً مرفوضاً معها.

يحمّل معارضو الاتفاقية واضعيها مسؤولية تجزئة العالم العربي. علماً بان هذه المناطق كانت مجرد ولايات في السلطنة العثمانية تجمعها وحدة جغرافية وسياسية لا حدود بينها ولا تتطلب تأشيرات ولم تكن دولاً مستقلة. صحيح ان العرب مدفوعين بحنين الى الرابط القومي ركنوا لوعود بريطانية، عبر العقيد طوماس ادوارد لورانس، بدعمهم اقامة وطن لهم في منطقة بلاد الشام إن ثاروا على السلطنة. فكان نجاح «الثورة العربية الكبرى» بقيادة امير مكة الشريف حسين، لكن سرعان ما تنصل الواعدون من نتائجها.