IMLebanon

الرمزيات العونية العائدة

26 عاماً مضت على إخراج ميشال عون من بعبدا بالقوة قبل أنْ يعود إليه رئيساً.

المفارقة أن هذه العودة لم تكن بشخصِه فحسب، بل حمل عون معه كل الرمزية التي اختزلتها سنتا إقامته في أواخر الثمانينيات. بدأ عهده بمخاطبة الشعب ومن ثم دعوته إلى «بيته»، وباستعادة العَلَم الموقع من هذا الشعب. مياه كثيرة سالت تحت كل الأعوام الماضية، بتغيّر ظروفها وتحالفاتها، لكن شيئاً لم يتغيّر في المعاني التي اختصرها رئيس الجمهورية.

الدلالة الأولى: العونية في جوهرها حالةً وحدوية لبنانية. انطلقت من بيئة معينة، لكنها تسعى إلى الجمع في بلدٍ مفتت بنيوياً منذ أيام الإمارة بين الإقطاعات المحلية، والصراعات الإقليمية. فالعلم اللبناني المستعاد إلى بعبدا، عكسَ آنذاك رغبة في تجاوز خطوط التماس والتعب من الحرب العبثية والالتفاف حول الدولة والشرعية والتعلّق بأي رمز وحدوي لبناني. هو اليوم نفسه، يؤكد أن الرئيس هو رمز الجمع والالتقاء ووحدة الشعب والأرض والمؤسسات. ففي وقتٍ يستمرّ الانقسام حول كثير من القضايا، ويستعرُ المشرقُ بصراعاتِ التفكك وتنهار دوله المركزية، يقول الرئيس الآتي من تفاهم مع حزب له امتدادات إقليمية، ومع قوة مسيحية تواجَهَ معها في أعنف الحروب، إنَّ الأساس يبقى وحدة لبنان على قاعدة الميثاقية والدولة والشرعية.

الدلالة الثانية المستمرّة من عون قائد الجيش إلى عون الرئيس: رجل الدولة ليس شخصاً يقبع في برج عاجي وتحيط به حاشية. ليس رجل سلطة بل رمز لشعب وممثل لتطلّعاته. وعلى عكس بعض الاتهامات الاختزالية التي تحيل هذا المسار في مسار عون إلى ما يطلق عليه جزافاً وابتعاداً عن الأكاديمية، «الشعبوية»، فإن للتواصل مع الواقع الشعبي بعداً يعزز الديموقراطية وينقذها من براثن الأوليغارشية. إنه يفتحُ نوافذ للإرادة الشعبية المقموعة بالقوانين الانتخابية غير العادلة.

الثابت في كل المتغيرات أن عون وحالته لم يتغيرا على الرغم من كل التحالفات والتفاهمات التي دفع ثمنها حصاراً وتهديداً وتراجعاً في الشعبية في بعض الأحيان. إنها تنفتحُ على ضفتين وارثتين لنزاعاتٍ لبنانيةٍ متناسلة، وتحافظُ على ثوابتِها وخطابها اللبناني. وهي التي تُقْدِم في الاستراتيجيا الإقليمية في زمن تغيّر معادلات النظام الدولي وتفكيك المشرق وتفريخ الإرهاب التكفيري، من دون أن يعني ذلك تنازلاً عن سيادة لبنان والدفاع عنه.

إن العلم اللبناني الذي استراح في بعبدا اختصر كل المعاني التي عكسها ميشال عون ـ الحالة المجتمعية اللبنانية. ولربما هذا البعد الوحدوي الجامع، المختزل معانيَ متعددة متوازية، هو ما يجعل في معظم الأحيان العديد من المراقبين يخطئون في فهم الظاهرة العونية أو يعتبرون أحد مساراتها، على هذه الضفة أو تلك، بعداً واحداً من أبعادها.