نسأل عن النقابات ووظيفتها اليوم في القضايا الاجتماعية والمعيشية. نسأل عن جدوى تكرار الشعارات ذاتها في عيد العمال. وأيضاً عن الحركة الشبابية ضد نهج الفساد والحق في العمل. وبينما نطمح الى وجود حركة نقابية فاعلة، تعطي معنىً للحياة السياسية والمدنية، لا نرى أكثر من هياكل تحتفل بدلاً من العمل لإعادة استنهاض النقابات كمؤشر على حيوية جديدة تعيد الاعتبار للعمل من أجل إطلاق حركة نقابية مهنية واجتماعية وتعليمية، تطالب بحق العمل والسكن والرعاية وبتطوير التعليم وبالاستقرار. ليست المطالبة بالحقوق وحدها ترفع الشأن النقابي، اذا كانت القوى تطلق خطاباً رمادياً، لا يرى فيه سوى مجرد زيادة رواتب، من دون برنامج يخاطب القاعدة النقابية والشبابية على اسس واضحة وجدوى وحسابات. فكيف بهيئات نقابية غير قادرة على أخذ قرار واضح وحاسم في قضايا تعنيها، أن تتصدى لهذه الموضوعات، وأن تتقدم الصفوف لإعادة إطلاق الزخم النقابي؟
وفي الحديث عن النقابات، لا بد من العودة الى الأصل، أي الاتحاد العمالي العام الذي فقد دوره، وبات يعتبره البعض مهادناً وملحقاً بالطبقة السياسية، ويأتمر بقراراتها، في وقت لم يخرج بديل نقابي مستقل قادر على الاستنهاض. فبدلاً من العمل على استعادة الاتحاد العمالي العام موقعه النقابي التاريخي الفاعل، يسترسل البعض في الدعوة الى إحلال هيئات نقابية مكانه، وكأن الاتحادات والنقابات المنضوية في الاتحاد قادرة على الانسحاب والانتساب الى هيئة التنسيق مثلاً، وكأن الأمور أيضاً هي مجرد تقديم طلبات هنا أو هناك، ببساطة وسذاجة أحياناً وحماس طفولي لا يفيد الحركة النقابية واستنهاضها، بعدما تهشمت منذ تسعينات القرن الماضي وألحقت بنيتها بالطبقة السياسية والاصطفافات، وتعرضت لضغوط شتى وانشئت مقابلها اتحادات ونقابات وهمية، صارت اليوم جزءاً مسيطراً في الاتحاد العمالي العام.
ونسأل، من يستطيع اليوم تحفيز العمل النقابي وتحريك قضاياه؟ كان الاتحاد في زمن مضى الأكثر قدرة على تحريك الشارع النقابي، الى ان عبثت قوى الأمر الواقع ببنيته وصادرت دوره وموقعه، فيما بقيت اتحادات منضوية تطالب باستعادة الاستقلالية، لكنها بوعي حاسم لم تتجه الى أي خيار انقسامي، او إلى تأسيس اتحاد مقابل، فاستمرت معارضة من داخله، الى ان تحين فرصة التغيير، وهذا خيار ديموقراطي. أما هيئة التنسيق النقابية وهي ممثلة للحركة النقابية التعليمية والموظفين، والتي بقيت حركة نابضة الى وقت، على رغم كل ما يحوطها من مشكلات، صارت كأنها نسخة عن تجربة الاتحاد نفسه.
سيبقى هناك اتحاد عمالي وحركة نقابية تعليمية. المراهنة تبقى على استعادة موقعهما النقابي الديموقراطي، بعيداً من الاصطفافات، على رغم أن كل ما نشهده، بين الروائح الكريهة، من رماد بلون قاتم!