«قانونُ قيصر لحماية المدنيين في سوريا»، هو عنوان لمجموعة من القوانين اتفق عليها الحزبان الجمهوري والديموقراطي في مؤسسات التشريع الأميركية. هدف القانون «معاقبة النظام السوري، وعلى رأسهِ بشار الأسد ومُعاونوه مالياً طالما أن نظامه يرتكب جرائم حرب ضد الشعب السوري». كما يستهدفُ مشروع القانون أيضاً «الأفراد والشركات الذين يقدمون التمويل أو المساعدة لرئيس سوريا»، و«الصناعات السورية المُتعلِّقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة»، إضافة الى «كيانات إيرانية وروسية دعمت وتدعم الأسد».
القانون الذي يدخل حيّز التنفيذ الشهر المقبل، هو العنوان الجديد لبرنامج الضغوط والعقوبات الاقتصادية على الشعب السوري وحكومته، والذي سيشارك فيه كل من يريد تلبية طلبات الأميركيين. وهم هنا، في لبنان والمنطقة، الفريق نفسه المنضوي عملياً في برنامج التحالف الأميركي ــــ الإسرائيلي ــــ السعودي الهادف الى محاصرة دول محور المقاومة وقواه. لكن القانون يحتاج الى دعم كبير من دول الجوار السوري ليكون أكثر فعالية. وهو ما يجعل الغرب مهتماً بالعمل الحثيث في ساحات العراق والأردن ولبنان وتركيا. ومن الواضح أننا مقبلون على موجة ضغوط كبيرة على الحكومتين اللبنانية والعراقية لتنفيذ البرامج التي تفيد القانون الأميركي، علماً بأن الأردن يواجه مشكلة داخلية بسبب انعكاس قرار حصار سوريا على نادي رجال الأعمال والاستثمار الأردنيين الذين يعانون الأمرّين جراء سياسة ملك الأردن. أما تركيا، فإن وقائع المواجهة على حدودها مع سوريا، تجعل برامجها متصلة بمصالحها أكثر من الاهتمام بالطلبات الأميركية، علماً بأن أنقرة كانت اللاعب الأبرز في تدمير قسم كبير من الاقتصاد السوري، بينما تتكفل القوى الكردية المتحالفة مع أميركا في شمال سوريا بتدمير قطاع النفط وسرقته وتدمير الطاقة الزراعية في تلك المنطقة الواسعة من شمال سوريا وشرقها.
كل ذلك يعيدنا الى السؤال عما نحن مقبلون عليه في لبنان، وخصوصاً أن حلفاء أميركا والسعودية وإسرائيل عندنا، يظهرون استعداداً عملياً للخوض في معركة دعم هذه الإجراءات، وحيلتهم اليوم اسمها «التهريب عبر الحدود الشرقية». فجأة، استفاقت قوى ومؤسسات لبنانية الى أن الحدود اللبنانية ــــ السورية تحتاج الى ضبط، بحجة أن عمليات تهريب منظّمة تتمّ عبرها بالاتجاهين، وتؤثر على المالية العامة للدولة. ويكفي هذا العنوان لتمرّ من تحته كل العناوين الأخرى التي تستهدف العنصر الرئيسي، أي إقفال الحدود مع سوريا لتشديد الحصار عليها، ولقطع الطريق بين المقاومة في لبنان وساحة سوريا، علماً بأن القوى العميلة في لبنان ستجد في هذه اللعبة ما تستخدمه للتغطية على نهبها الدولة والمال العام والخاص، بالقول إن الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان سببها التهريب الى سوريا!
أين التحدي؟
يعرف الجميع أنه مع توقف إطلاق النار في آب 2006، سعت عواصم عربية وغربية ــــ ومعها جهات لبنانية ــــ الى جعل القرار 1701 يشمل الحدود مع سوريا. يومها انتهى النقاش العملي الى نشر الجانب الألماني وحدات على نقاط الحدود الرسمية بين سوريا ولبنان، ونصب ماكينات ضخمة لفحص المواد القادمة من سوريا، لضمان عدم تهريب أسلحة من سوريا الى المقاومة. لكن حصل ما حصل وأدى الى تعطل هذه الماكينات وتوقف عملها. كما أدرك الألمان أنهم ورّطوا أنفسهم في لعبة كبيرة ومعقّدة (مثل برنامج مراقبة الحدود البحرية)، وظلّت الحدود مفتوحة بشكل واسع. ومع اندلاع الأزمة السورية، توقف الجميع، من المحور الأميركي ــــ الإسرائيلي ــــ السعودي عن الحديث عن الحدود. إذ إنهم باشروا خلال ثلاث سنوات أكبر عملية تهريب للسلاح والعتاد والمال والخبراء الى سوريا عبر الحدود اللبنانية. وهي خطة لم تتعطل إلا عندما باشرت المقاومة برنامج عمل مكثف استمر لسنوات قبل طرد المجموعات من كل الجهة الشرقية للحدود، بينما تعطل عمل داعميهم في لبنان.
في هذه المرحلة، وجد الغرب ضالّته في برامج جديدة، أبرزها دعم الجيش اللبناني لإنشاء أفواج حدودية مهمتها مراقبة الحدود مع سوريا. وإذا كان عنوانها الداخلي هو منع النزوح السوري العشوائي الى لبنان، وإقفال الممرات أمام المجموعات المسلحة التي بدأت تنتقل الى لبنان، فإن الهدف الفعلي لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا (حاولت فرنسا من دون جدوى المشاركة في البرنامج) هو السعي الى السيطرة على كل الحدود، من خلال نشر وحدات عسكرية عند بعض المقاطع، وتغطية المقاطع الواسعة بواسطة أبراج مراقبة مزوّدة بأجهزة وكاميرات متطورة قادرة على رصد كل أنواع الحركة. وهي أبراج أُخضع العاملون فيها لبرنامج تدريب خاص من الجانبين الأميركي والبريطاني اللذين يواصلان الإشراف والصيانة. وتجمع الأجهزة الاستخبارية على أن الأميركيين والبريطانيين لهم حق الوصول الى كل الداتا الناتجة من عمل أبراج المراقبة. وهذا يعني، ببساطة، أن هذه الداتا صارت في حوزة العدو الإسرائيلي.
جديد الأمر، والأخطر فيه، شروع جهات رسمية لبنانية، سياسية وعسكرية وأمنية، في برنامج استعداد لدعم القانون الأميركي، والدخول في خطوات يوفر لها الغطاء الرسمي للمشاركة في جريمة حصار الشعب السوري ومحاولة سد الطرق أمام المقاومة في لبنان في الاتجاهين. ويجري الحديث عن اجتماعات متنوعة يعقدها الجانبان الأميركي والبريطاني مع قيادة الجيش، ومع أجهزة أمنية أخرى، للتوافق على برامج عمل مشتركة في شأن الحدود. وترافق ذلك مع تكثيف النقاش الرسمي حول «ملف التهريب عبر الحدود»، وهو ما تطلّب عقد سلسلة اجتماعات؛ بينها المجلس الأعلى للدفاع وآخر في السرايا الكبيرة. وفي الأخير، الذي شارك فيه أغلب من يشاركون في المجلس الأعلى للدفاع، أعلن مكتب رئيس الحكومة أن الاجتماع خصّص «لعرض تفاصيل الاستراتيجية التي تهدف إلى معالجة مشاكل الحدود في لبنان وكيفية إدارتها ووضع ملاحظات الأجهزة الأمنية عليها، والتنسيق في ما بينها تمهيداً لعرض خطة شاملة لتنفيذها، بما يتلاءم مع مطالب المجتمع الدولي لجهة ضبط الحدود، إضافة الى عملية تسهيل عبور الأشخاص والبضائع. وتعالج الاستراتيجية الموضوعة جانبين: الأول يتعلق بالتهريب على الحدود، والثاني بكيفية إدارة الحدود».
من لا يقدر على منع التهرّب الضريبي وتهريب الأموال من لبنان لا يجد مهمة له اليوم سوى التهريب عبر الحدود مع سوريا!
المشكلة في «سذاجة» البعض من أهل الحكم الذين يناقشون الأمر من زاوية منع تهريب البضائع، وأن لبنان معنيّ بمنع تهريب المواد الأولية المدعومة من مصرف لبنان، أي المشتقات النفطية والأدوية والقمح، وأن فقدان الدولار في لبنان سببه عمليات تهريب للدولارات من لبنان الى سوريا.
يجب تذكير هؤلاء جميعاً بأن عمليات التهريب من الجانبين، قصة عمرها من عمر قرار الاستعمار الفصل بين البلدين. وهي جزء من الاقتصاد العام للبلدين، حتى ولو لم يكن طابعه منظّماً. وحتى قبل شهور قليلة فقط، كانت الأسواق اللبنانية مليئة بكل أنواع المشتقات النفطية والأدوية والقمح المهرّبة من سوريا، والتي تصل الى لبنان بأسعار مخفضة جداً، بسبب الدعم الذي توفره الدولة السورية لهذه القطاعات. إضافة الى أن السوق السورية كانت ولا تزال مقصداً لعشرات آلاف العائلات اللبنانية التي تواجه مشكلة في القوة الشرائية لدخلها الشهري. مع ضرورة الإشارة الى أن المصارف اللبنانية استوعبت تاريخياً، وخلال العقد الأخير، تدفّق ما يفوق 23 مليار دولار أميركي من مودعين سوريين. وغالبية هذه الودائع محجوزة اليوم في المصارف اللبنانية كما هي حال ودائع المواطنين اللبنانيين. بل أكثر من ذلك، على مصرفيين كبار، أن يخرجوا في يوم قريب، ويقدموا للناس الرواية عن نوع المساعدة الخاصة التي قدمتها سوريا لهذه المصارف يوم واجهت أزمة سيولة، وكيف عبرت شاحنات سورية محمّلة بعشرات ملايين الدولارات الى لبنان بقرار من الرئيس الأسد نفسه.
اليوم يجري الحديث عن عمليات تهريب لا تساوي عشرة في المئة مما كان يحصل. وكل البضائع اللبنانية التي تهرب الى سوريا تباع بالدولار الأميركي وليس بأي عملة أخرى. وهي تباع بأسعار أعلى بكثير من سعرها المحلي. ثم ما هي هذه القصة المستجدة عند هذا الفريق الذي لا يقدر على منع التهرب الضريبي وعلى منع تهريب الأموال من لبنان، ولا يجد مهمة له اليوم سوى التهريب عبر الحدود مع سوريا.
لنضع الجانب القانوني جانباً. ما الذي يفعله هؤلاء؟ هل يدركون معنى مشاركتهم في حصار الشعب السوري وتجويعه؟ هل يعرفون أي جريمة يشاركون فيها وأي دور خبيث يقومون به؟ هل يفكرون في عواقب هذه الخطوة، أم أن من يضعون الخطط وينفذونها يستهدفون قطع أي علاقة للبنان بسوريا؟ هل يعرف هؤلاء أن هذه الخطوة جريمة حرب موصوفة، وهي جريمة إنسانية تبرر أي رد عليها من الجانب السوري؟
ثم، هل يعي هؤلاء أن التورط في عملية تستهدف عملياً محاصرة المقاومة في لبنان، وقطع التواصل بينها وبين الساحة السورية وساحات أخرى، هو بحد ذاته عمل عدائي يستهدف كل قوى محور المقاومة، وأن مثل هذا الأمر تطلّب حروباً مدمرة يقودها العدوان الأميركي والإسرائيلي من دون توقف منذ أكثر من أربعين سنة، بعضها كان مباشراً عبر احتلال وعمليات وحروب، وبعضها من خلال أدواتهم المحلية في اضطرابات وحروب أهلية على أنواعها؟
ما يطلّ برأسه من أفكار وخطوات وبرامج، في سياق تنفيذ طلبات العدو، لا يمكن التعامل معه على أنه إجراء إداري أو أمني له بعده الجنائي. إنه عمل عدواني موصوف. وهو يعكس خفّة من يقومون به وخسّتهم وعمالتهم. خفّة من لا يعرف ما الذي يجري حوله ولم يتعلم. وخسّة من لا يزال مسكوناً بأفكار عنصرية وطائفية ومذهبية وطبقية بائدة لم يعد لها أي أساس علمي أو واقعي. وعمالة تثبت صورة هؤلاء على أنهم مجرد أدوات في البرنامج المعادي للبنان وسوريا.
لذلك، ليس أمامنا في مواجهة هؤلاء سوى رفع شعار المقاومة، والدعوة الى مقاومتهم بكل ما يوجب منع هذه الجريمة… إنها سوريا يا أغبياء!