Site icon IMLebanon

هل يبدل المتدخلون سياساتهم في سوريا؟

 

يبين الوضع الميداني في سوريا أن البلاد خاضعة لثلاث من سلطات الأمر الواقع؛ أولاها تسيطر في معظم القسم الغربي من البلاد، يديرها في الظاهر نظام بشار الأسد، وفي الواقع فإنها تحت سلطة مختلطة من ثلاثة أطراف، تضم إيران وروسيا والنظام. والثانية تمتد في شرق الفرات شاملة أغلب الجزيرة السورية، وتحكمها ظاهراً قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لكنها خاضعة لنفوذ الولايات المتحدة. والثالثة، تضم القسم الأساسي من محافظة إدلب، وتشمل مناطق من أرياف محافظات مجاورة منها حلب واللاذقية. وإذا كانت السيطرة الرئيسية فيها للأتراك بمشاركة جماعات مسلحة، فإن «هيئة تحرير الشام» هي الشريك الأهم للأتراك في السيطرة على المنطقة.

وكما هو واضح في صورة السيطرة العملية، فإن اللاعبين السوريين من نظام ومعارضة وقوى متطرفة، لا يملكون إلا تأثيرات هامشية في الحدث السوري، واحتمالاته الكبرى من طراز اختيارهم مسار الحل سواء كان الحل عسكرياً أو سياسياً. وعلى سبيل المثال، فإن أي قرار للنظام في هذين الأمرين، لا بد أن يحوز موافقة حلفائه الروس والإيرانيين؛ إذ لا يستطيع وحده اليوم، أن يقرر وينفذ الاستمرار في الحل العسكري الذي اختاره في عام 2011 ردأ على ثورة السوريين.

ووجود السوريين في هوامش التأثير على الحدث، لا يعني أنه لا مكان لهم، بل هم أوراق في جملة الأوراق التي يحملها المتدخلون في القضية السورية، سواء كانوا أوراقاً مكشوفة كما حال نظام الأسد بالنسبة لكل من إيران وروسيا، أو أوراقاً مستورة، كما قوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات بالنسبة للولايات المتحدة، أو خليطاً بين حالتين على نحو ما هي عليه التشكيلات المسلحة («الجيش الوطني» و«هيئة تحرير الشام») في منطقة النفوذ التركي، ولهذا فإن كل واحد منهم يسعى للإبقاء على ورقته السورية جاهزة أمام كل الاحتمالات.

وإضافة إلى روسيا وإيران، وتركيا والولايات المتحدة (الأربعة الكبار المتدخلين في سوريا)، فإن الأوروبيين في ثلاثتهم الكبار بريطانيا وفرنسا وألمانيا محسوبون بين المتدخلين.

وإذا كانت أغلب الأطراف، اصطدمت بالتراخي وبالانكفاء الأميركي أحياناً، فأصيبت بحالة استعصاء وإحباط، خلاصته أنها لا تستطيع فرض حل، ولا التخلي عن دورها، وترك الملف لآخرين، لا يمكن القبول بحلولهم، وهو أمر ينطبق على الأوروبيين بشكل خاص الذين ربطوا ومنذ أواخر عام 2013 موقفهم على مضض بالموقف الأميركي الذي خطه أوباما، ومضى قريباً منه خليفته ترمب، رغم ما بين الرجلين من اختلافات كثيرة.

وفي واقع الحال، فإن الأمور يمكن أن تستمر في سوريا على ما هي عليه، لولا حدث رئيسي يلقي بظلاله على مجموعة المتدخلين وذات الصلة المباشرة بالقضية السورية، وهو مجيء جو بايدن إلى الرئاسة الأميركية، بما يمثله من اختلاف في السياسات عن سابقيه الأخيرين سواء أوباما الذي شاركه بمنصب نائب الرئيس، أو ترمب الذي عارضه في كل شيء، وكلاهما يدفع بايدن جدياً نحو سياسة مختلفة، تراوح بين العصا والجزرة بغية تأكيد الحضور والدور الأميركي في الشرق الأوسط وفي الموضوع السوري منه، حسبما يبدو في تصريحاته وتأكيدات مرشحين في فريقه، وشبه إجماع من محللين في وصف سياسة بايدن المقبلة.وإذا مضت سياسة بايدن في هذا الاتجاه، فإنها ستجد ارتياحاً أوروبياً مؤكداً، وقوة نشطة لدعمه، ليس لأنها، ستضع حداً للارتباكات الأوروبية، وتجعل الأوروبيين أقدر في التعامل مع تداعيات الوضع السوري، التي تزداد خطورتها في ظل الانسداد الحالي متزامنة مع تجديد الأسد رئاسة لفترة مقبلة أواسط عام 2021 وتصاعد الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وما تتركه على أوروبا من أثر في ثلاثة موضوعات؛ الهجرة والإرهاب والمساعدات في وقت تواجه فيه أوروبا «كورونا» وتداعياته، خصوصاً ما تعلق منها بالتداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولن تكون أوروبا وحيدة في ترحيبها بمتغيرات سياسة بايدن الشرق أوسطية، بل سيكون على هذا الخط ولأسباب متداخلة العدد الأكبر من دول المنطقة؛ خصوصاً دول الخليج العربية ومصر، التي من مصلحتها المباشرة الربط الأميركي بين التشدد في مواجهة إيران ومشروعها النووي وسياساتها الإقليمية، القائمة على تمددها سواء عبر قواتها المسلحة وحرسها الثوري وميليشياتها كما في سوريا، أو عبر ميليشيات مسلحة وجماعات سياسية مرتبطة بطهران كما في لبنان والعراق واليمن وأماكن أخرى، وسيكون للأتراك فرصة للتخفيف من الضغوطات الروسية عليهم بما سيكون لهم من قدرة على مناورة مع شركائهم في حلف شمال الأطلسي، الذي تعرضت مشاركة تركيا فيه إلى هزات كثيرة بسبب سياسة الانكفاء الأميركية.

وبطبيعة الحال، فإن روسيا ووسط خلاصات وجودها وسياساتها في سوريا للخمس سنوات الماضية من حيث فشلها في تحقيق رؤيتها للحل السوري في سوتشي وآستانة، ووسط تحمل عبء شراكتها المربكة مع الإيرانيين في سوريا، وتحملها أعباء اللاسياسة التي يتابعها نظام الأسد في كل الاتجاهات، صارت أقرب إلى تفاعل إيجابي مع سياسات دولية، إذا كانت الأخيرة، تكفل حفظ المصالح الأساسية لروسيا في سوريا.

ووسط المجموعة الدولية – الإقليمية، فإن إسرائيل أكثر الأطراف الإقليمية قرباً من سياسة أميركا في ظل بايدن، ليس نتيجة العلاقات التقليدية الإسرائيلية – الأميركية، بل أيضاً بحكم تقاطعات الموقف من إيران ووجودها في سوريا، التي يخوض الإسرائيليون عليها حرباً متقطعة، تواصلت عملياتها الجوية والصاروخية في العامين الماضيين، وشملت أهدافاً عسكرية إيرانية ومواقع «حزب الله» اللبناني، امتنع الطرفان عن الرد عليها، واكتفى نظام الأسد باحتجاجات لدى الأمم المتحدة من دون أن تترك احتجاجاته أي صدى.

ومما لا شك فيه، أن إمساك جو بايدن القريب بزمام السلطة في واشنطن، وما أعلنه وفريقه من سياسات، يتبناها ويعمل عليها في الشرق الأوسط، يؤشر إلى تغييرات مهمة في منطقة تعاني من انسدادات ومشاكل باتت مزمنة، وهذا سيدفع إن لم يكن كل الأطراف ذات الصلة بالمنطقة فأغلبها إلى إعادة تقليب أوراقها وسياساتها، ولن يكون من الصعب إجراء تغييرات في الاثنتين، إذا باشرت واشنطن سياساتها الجديدة بصورة نشطة وفاعلة، لكن سياسات تلك الأطراف ستظل محاطة بالحذر، بفعل التجربة المرة لإدارة أوباما وترمب، التي كان شعارها: «أميركا أولاً».